حوار مع الدكتور عزوز
علي إسماعيل جريدة الأهرام المصرية
"عتبات النص" ذلك النوع النقدي، إن صح
التعبير، الذي بذلت مجهودًا كبيرًا فيه، تنظيرًا تطبيقًا، ماذا تعني به؟
في البدء شكراً
جزيلاً لجريدة الأهرام الغراء على هذا الحوار، أما إذا تحدثنا عن "عتبات
النص" ودراسة عتبات النص فقد أصبحت من الأهمية بمكان وقد حاولت إلقاء حجر ضخم
في بحر الدراسات النقدية وإيقاظ الكتاب والنقاد لهذا الدرس النقدي العميق المرتبط
بعتبات النص والعلاقة الرابطة بين العتبة والنص، وهل هناك خيط رابط بينهما أي ما
الفائدة من أن يصدر لنا يوسف السباعي مثلاً روايته "أرض النفاق" بإهدائها
إلى نفسه، قائلاً:"إلى
خير من اسْتَحَقَ الإهداءَ إلى أحبِّ النَّاسِ إلى نفْسِي وأقربهم إلى قلبي إلى يُوسُف
السِّباعي، ولو قلت غيرَ هذا لكنتُ شيخَ المُنافقين من أرضِ النِّفاق.. يُوسُف
السِّباعِي. فهل هذا شيء عابر لا نلتفت إليه في الدراسات الحديثة؟ بل علينا أن ندرك
قيمة ذلك الإهداء باعتباره عتبة نصية مهمة فعتبات النُّصوصِ هي مَجْمُوعَةٌ مِـنْ النَّوافِذِ والتَّنْبِيهَاتِ,
والخَادِمَاتِ, والإضَاءَاتِ والمُقَـدِّمَاتِ التي تُفْضَيِ إلى نَتَائِجَ
حَتْمِيَّةٍ؛ نَتِيْجَة التَّـلاقُحِ بَيْنَها وبَيْنَ النَّصِّ, وهي أيْضَـاً
الرَّسَائِلُ التي تَطُوفُ باسْتِمْرَارِ حَوْل جَسَدِ النَّصِّ؛ مُحْدِثَةً بهِ
تَغْييراً. هَـذَاَ التَّغْييرُ تَحْكُمُه المُقَارَبَاتُ التَّـفْسِيْرِيَّةُ
لِتِلك العَتَبَاتِ, ومَا يَقُوُمُ بِهِ المُتَلَقِي مِنْ فَكِّ شِفْرَاتِها،
نحو العنوان والإهداء والغلاف والتصدير والتذييل.. وغيرها وهو النص الموازي
الداخلي وهناك عتبات تعتبر نصوصاً خارجية مثل ما يقوله المؤلف عن عمله وما يكتب عن
العمل من درسات ومقالات هي نصوص موازية وعتبات نصية
كيف استخرجت أصول "عتبات النص" من
التراث، بالرغم من عدم وجود كتب بالشكل المعتاد في العصور القديمة؟
المهمة كانت صعبة
جداً ولكن كنت متيقناً من أنه من ليس له ماض ليس له حاضر ولا مستقبل لقد أخذت
وقتاً طويلاً وسنوات صعبة باحثاً وقارئاً في كتب التراث والشذرات هنا وهناك عن
عتبات النص وقد وجدت بين طيات التراث من تناول تلك القضايا ولكن بطريقة غير منهجية
وما يهمني أن التراث فيه ما أبحث عنه، وقد استندت إلى التراث العربي العظيم في
انطلاقتي نحو دراسة العتبات, للتَّدْلِيْلِ عَلَى احْتِفَاءِ العَرَبِ قَدِيْمَاً
بِعَتَبَاتِ النُّصوصِ, كَمَا هُوَ الحَالُ عِنْدَ المَقْرِيِزِي , والكُلاعِيْ
وأبِي بَكْرِ الصُّـوْلِي وغَيْرِهم, فإذا كان الغرب قد أولى عتبات النُّصوص
اهتماماً في نهاية القرن الماضي, بدايةً من شارل كريفل؛ ومروراً لهنري ميتران
وانتهاءً بجيرار جينت فإنَّ النَّقد العربي القديم وتراثنا العظيم هو أوُّل ما وضع
بذرة العتبات؛ حيث تناولها كثيرٌ من النُّقاد؛ وقد كان تناولهم لها من ناحية تبادل
المراسلات كما هو الحال عند ابن الأثير في كتابه "المثل السَّائر في أدب
الكاتب والشَّاعر" , وأبي القاسم الكُلاعي الأشبيلي في كتابه " أحكام صنعة الكلام" . وتناول الجاحظ
بعض العتبات من ناحية أدب الكتابة, فهو يؤكِّد على أهمية الابتداء( الاستهلال )
بقوله " إنَّ لابتداءِ الكلامِ فتنةً وعُجْباً " وهو ينبِّـه
أيضاً عن المؤلفات؛ حيث يقول " وينبغي لمن كتب كتاباً ألَّا يكتبه إلا على
أنَّ الناس كلَّهم له أعداء, وكلَّهم عالم بالأمور وكلَّهم متفرغ له". يحثُّ
الجاحظ الكتَّابَ على التدقيق في الكتابة ومراعاة كل صغيرةٍ وكبيرةٍ فيها. وقام
عبد الله بن أبي الإصبع بالكتابة عن العتبات في كتابين له وهما من الكتب النادرة
الأول " الخواطر السَّوانح في أسرار الفواتح ". والثاني " تحرير
التَّحبير في صناعة الشِّعر والنَّثر" وهو من الأهمية بمكان؛ حيث قسَّمه إلى
أبوابٍ تتناول بدايات العتبات في النَّقد؛ نحو باب حسن الابتداءات. باب الكتابة.
باب الإشارة. باب التَّذييل. باب حسن النسق. باب رد الأعجاز على الصُّدور. باب
الإمضاء. باب حسن الخاتمة, وهو ما يؤكِّـدُ على اهتمام النَّقد القديم بعتبات
الكتابة.
تطرقت في موسوعتك "المعجم المفسر لعتبات النصوص"، إلى
مصطلحات غامضة، مثل: جيولوجيا النص، وتضاريس النص، وببليوجرافيا النص، كيف جمعت
مثل هذه المصطلحات؟ وكيف فسرتها؟ وماذا عن هذا المعجم؟
إذا كانَ المُعْجَمُ قدْ ضَـمَّ أكثر من مائةٍ وخَمْسِينَ مُصْطَلَحاً،
فإنَّ هناك ثلاثةَ مُصْطَلَحَاتٍ منَ الأهميَّةِ بِمَكَانٍ؛ وهي جِيُوْلُوجيا
النَّـصِّ، والتَّضَارِيْس النَّصِّيَّةُ، والبِبْلِيُوجْرَافيا. وإذا
تَحَدَّثْنَا عن جِيُوْلُوجيا النَّـصِّ باعتبارها أَحَد مُصْطَلَحَاتِ عَتَبَاتِ
النَّـصِّ، فهي ذاتُ شَأنٍ عَظِيمٍ، فمِـنْ خِلالِها نَتَعَرَّفُ الإبْدَاعَ
الحَقِيْقِي عِنْدَ الكُتَّابِ عَبْرَ أزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، لنصلَ إلى
أفْضَلِهِ، وهَـذَا هُو المَقْصُوْدُ مِـنْ البَحْثِ في شِعْرِيَّةِ العَتَبَاتِ،
ثمَّ نتخيرُ أفْضَلَ هَؤلاءِ المُبْدِعِيْنَ مِـنْ الكُتَّابِ لنَبْحَثَ جيولوجيا
النَّـصِّ لديهم، وبمعيارٍ دَقِيْقٍ فَصَّلْنَاه بِدَاخِلِ المُعْجَمِ، يُمْكِنُ
أنْ نَتَعَرَّفَ أفْضَلَ أعْمَالِهم بَعْدَ دِرَاسَتِها عَبْرَ رِحْلةٍ منْ
الزَّمَنِ، بالضَّـبْطِ مثل جِيُولوجيا الأرضِ التي تَبْحَثُ فِي صُخُوْرِهَا عَبْرَ
الزَّمَان لتَتَعَرَّفَ التَّكْوِينَ الأسَاسِيَّ لهَا عَلَى مَرِّ العُصُوْرِ،
وتَتَعَرَّفَ كَذَلِكَ فَتْرَةَ قُوْتِهَا وَضَعْفِها، والأمْرُ مُرْتَبِطٌ
كَذَلِكَ بِمُصْطَلَحَيْن آخَرَيْن مِنْ مُصْطَلَحَاتِ عَتَبَاتِ النُّصُوْصِ وهما
البِبْلِيُوجْرَافيا والتَّضَارِيْسِ النَّصِّيَّةِ، فإذا أخَذْنَا مثالاً واحداً
أو مُصْطَلَحاً واحداً من مُصْطَلَحَاتِ عَتَبَاتِ النُّصُوْصِ لِنُبَرْهِنَ عَلَى
شِعْرِيَّةِ تِلْكَ العَتَبَاتِ مِنْ خِلالِه، نَحْوَ مُصْطَلحِ
"التَّضَارِيْس النَّصِّيَّةُ"، فَإنَّ شِعْرِيَّةَ التَّضَارِيْسِ
النَّصِّيَّةِ تَكْمُنُ فِي البَحْثِ عَـنْ آليَّاتِ الإبْدَاعِ منْ خِلالِ
مَعْرِفَةِ المُرْتَفَعِ والمُنْخَفَضِ مِنْهَا، أي مَعْرِفَةِ الجَيِّدَ مِنْ
الرَّدِيء، بِمَعْنَى أدَقٍّ فإنَّ الأعْمَالَ المُتَمَيِّزَةَ فِي أي حَقْلٍ
أدَبِيٍّ أمْ عِلمِيٍّ تَبْدُو جَلِيَّةً بِفِعْلِ اسْتِخْدَامِ تِقْنِيَّةِ
التَّضَارِيْسِ النَّصِّيَّةِ، وإذَا كَانَتْ هُنَاكَ مَجْمُوْعَةٌ ضَخْمَةٌ مِـنْ
تِلْكَ الأعْمَالِ الأدَبِيَّةِ أوْ العِلْمِيَّةِ أوْ الفَنِّيَّةِ، لهَا
قِيْمَتُها المُتَمَيِّزَةُ، فإنَّ التَّضَارِيْسَ النَّـصِّيَّةَ تُحتِّمُ
عليْنَا البَحْثَ عن الأفضلِ فيها جَميعها لنَصِلَ إلى مُسْتَوى رَفِيْعٍ منْ
الإبْدَاعِ، حِيْـنَ نختارُ – طبقاً للتَّضَارِيْسِ النَّصِّيَّةِ وجُيِوْلُوجْيَا
النَّـصِّ والبِبْلِيُوجْرَافيا- بَعْضَ الأعْمَالِ ثُمَّ نُعِيْدُ تَصْفِيَةَ
الأعْمَالِ لنَخْتَارَ الأفْضَلَ مِنْهَا، ومِنْ ثمَّ نَصِلُ إلى أفْضَلِ تِلْكَ
الأعْمَالِ، مِنْ هُنَا فَقَطْ، نَسْتَطِيْعُ مَعْ هَذِه الأعْمَالِ المنتقاةِ،
وفقَ قَوَانِيْنَ عِلْمِيَّةٍ دَقِيْقَةٍ أنْ نَقُوْلَ: إنَّ لدَيْنَا شَأناً في
هَذَا النَّوْعِ مِـنْ الإبْدَاعِ، بِفَضْلِ حَصْرِ ذَلِكَ الإبْداعِ فِي مَنَاحِي
الفُنُوْنِ كَافَة، ودِرَاسَةِ عَتَبَاتِه.
و"المعجم المفسِّر لعتبات النصوص" هو موسوعة فكرية في الفنون
والآداب، يخدم صفوة النقاد والباحثين في الفنون كافة؛ فهو يؤكد دور العتبات في فك
شفرات النصوص، بحكم أنها مفاتيح وأيقونات مكثفة لها، من هنا كان المعجم انطلاقة
نحو آفاق أرحب في الفكر والثقافة، فلا غرو إذاً أن تكون جيولوجيا النص والتضاريس
النصية والببليوجرافيا من عتبات النصوص المهمة، وجدير بنا أن نربط تلك العتبات بما
يُسْتَجَدُّ منْ عُلومٍ وَمَنَاهِجَ مُخْتَلِفَةٍ لهَا حِرَاكُهَا المَشْهُودُ،
فَأصْـبَحَ لزَاماً عَلَيْنَا، ونحن في هذا التوقيت من الألفية الثالثة أنْ
نَنْظُرَ بِعَيْنٍ إلى تِلْكَ الدِّرَاسَاتِ الحَدِيْثَةِ التِي ارْتَبَطَتْ
بِالشِّعْرِيَّةِ، وكَيْفَ أنَّ الشِّعْرِيَّةَ أصْبَحَتْ المَلاذَ الآمِنَ فِي مُعْظَمِ
الدِّرَاسَاتِ، وجَاءَ المُعْجَمُ مُتَمَاشِياً مَعَ ذَلِكَ النَّهْجِ، فِي
البَحْثِ عَـنْ الشِّعْرِيَّةِ فِي كُلِّ مُصْطَلحٍ مِـنْ تِلْكَ المُصْطَلَحَاتِ.
علماً بأن المعجمَ لم يقتصر على النصِّ الأدبي وتبيان عتباته وتفسيرها، بل أيضاً
اشتمل على ألوان الفنون المختلفة كافة، فاللوحة نصٌ والخريطة الجغرافية نصٌ والحجر
المكتوب عليه منذ آلاف السنين نصٌ والمقطع الموسيقي نص ٌ..
إذاً النص الذي أقصده
في "المعجم المفسِّر لعتبات النصوص" هو كل ما يحمل فكراً فالقصيدة نصٌّ
والرواية نص، والمسرحية نص، والقصة القصيرة نص، والمقالة نص، الصورة نص، اللوحة الفنية نص،
والنحت نص، والحياة نفسها نص [وما
الحياة إلا نصٌّ نحياه، له مقدمةٌ باكية وخاتمةٌ مبكية وما بينهما مجموعة من
العتبات ] وما المعجم المفسر لعتبات النصوص إلا موسوعة فكرية بها مجموعة ضخمة من
المصطلحات كل مصطلح نواة لرسالة علمية ضخمة يختص بها باحث مقتدر بعينه في
المجال نفسه..وتثار
الأسئلة المهمة منه ما الفرق بين المقدمة
والتمهيد والمدخل والتوطئة والاستهلال؟. ما الفرق بين التعبير والتحرير والتحبير
والإنشاء والتدوين؟ ما الفرق بين الإمضاء والتوقيع. ولماذا من الخطأ أن نقول هذا
الإنسان رئيس التحرير؟ والمعجم يجيب في بعض جزئياته عن ذلك..
هذا المعجم مشروع كبير بدأته منذ عشر سنوات وقد انتهيت منه 2018 يهدف إلى
تسليط الضوء بقوة على الأشياء التي كانت مهمشة من قبل ولم يلتفت إليها الكثيرون
على الرغم أنها أصبحت من صميم الدراسات الإنسانية عامة والفنون والآداب خاصة، تهدق
هذه الموسوعة وهذا المعجم الضخم إلى إيقاظ الباحثين في الفنون كافة للاهتمام
بعتبات النصوص وكيف أن تلك العتبات هي مداخل للنص، ولا بد أن يكون هناك رابط بين
تلك العتبات والنصوص نفسها. لقد
طَرَقتُ هذا البَابَ بقوةٍ، وهو مشروع حياتي
بعد أن ألفت فيه كتاباً ضخماً أصبح مرجعاً لطلاب الدراسات العليا في التخصصات كافة
وهو"عتبات النص في الرواية العربية" والذي صدر عن الهيئة المصرية
العامة للكتاب 2013. وجاء المعجم ليصبح مشروعاً شاملاً لكل الفنون وهو مفتاح
للباحثين يَفِيْدهم على مرِّ الزَّمَانِ، وكيف أنَّ هناك علماً يلوْحُ في الأفقِ
أسْتَشْرِفَهُ أمَامَ عَيْنَيَّ هو "علمُ عَتَبَاتِ النُّصوْصِ" بل أكثر
من ذلك؛ حيثُ إنَّ كلَّ مُصْطَلَحٍ من المُصْطَلَحَاتِ سَيَفْتَحُ آفاقاً رحْبَةً
للبَحْثِ والتَّـنْقِيبِ، فكلُّ مُصْطَلَحٍ يُعْتَبَرُ بمثابةِ عنوانٍ لرِسَالةٍ
علميةٍ تُضيفُ جَدِيْداً للعلمِ والنَّظَريَّةِ الأدبيةِ الحَدِيْثَةِ التِي
نَتَلمَّسُها ونشمُّ رائِحَتَها في أوقاتِنَا الحَاضِرَةِ، ونَسْعَى بِكُلِّ مَا
نَمْلُكُ للوصُـوْلِ إليها.
تأتي الموسوعة في ظل الاحتياج الشديد للدراسات البينية الموسوعية الشاملة
وأحسبها كذلك، مع تطبيق ما استجد من مناهج مختلفة كان لها حراكها المشهود على
الساحة الأدبية والثقافية..
قال الدكتور خالد فهمي عضو مجمع اللغة العربية عن المعجم
بعد أن سطر ثلاثين صفحة فيه : "تحية ..تتمدد المعجمية العربية المعاصرة فتشغل
أحيازا جديدة .وبين الحين والآخر يظهر من الأعمال المعجمية ما
يبرهن على ذلك. ومن هذه لمعجمات الجديدة معجم تفسير عتبات
النصوص الذي نهض به الدكتور عزوز إسماعيل. إن هذا العمل بما هو عمل
مرجعي سيسهم في ضبط منطقة مهمة من مناطق النقد أدبي الحديث في الثقافة العربية
المعاصرة وسيسهم في تطوير كثير من المناطق المعرفية المتماسة معه. وهو خطوة على طريق طويلة سبق أن سلكتها المعجمية الغربية المعاصرة
ووصلت فيها إلى مناطق مبهرة. التحية واجبة للصديق العزيز ."
- - هل تخدم "عتبات النص" اتجاهات النقد
الأدبي القديمة والحديثة؟
بالتأكيد فكتابي "عتبات النص" عمل نقدي رفيع كما وصفوه، لا توجد
رسالة علمية الآن من ماجستير ودكتوراه إلا وتستند إليه نظراً لمقاربة النصوص
وتفسيرها تفسيراً دقيقاً يعتمد الدرس الأدبي والنقدي المرتبط بالعتبات، وبعد أن
خرج هذا الكتاب في 2013 لا تتخيل كم الأعمال الأدبية بعده وكلها ارتبطت بالعتبات
سواء أكان في الشعر أن في النثر بأنواعه، وحتى وقتنا الحاضر لا يمر يوم إلا
وتأتيني رسائل من كافة أقطار الأمة العربية للسؤال عن الكتاب وهذا إن دل فإنما يدل
على أهمية الكتاب الذي وق في أكثر من 500 صفحة ..من هنا نقول إن دراسة عتبات النص
في النصوص القديمة والحديثة من الأهمية بمكان حتى في تحقيق التراث وهو أمر ذو شأن
عظيم لا بد من الاهتمام بعتبات النص في تحقيق التراث ومعرفة العنوان ودلالاته
والفكرة وما يتمخض عنه التذييل وكذلك الهامش وهو أمر فصلته في "المعجم المفسر
لعتبات النصوص" أرجو قراءته فقد طبعته الدولة المصرية مشكورة ممثلة في الهيئة
المصرية العامة للكتاب.
الكثير من المبدعين يرفضون محاسبتهم على مستوى
أغلفة أعمالهم، خاصة أن دور النشر هي التي تختار الغلاف في كثير من الأحيان، ما
رأيك؟
إشكالية كبيرة جداً
وقد فصلت فيها الأمر بكل جدية في "المعجم" لأن هناك علاقة وطيدة بين
دراسة الفن ودراسة الأدب في جزئية الغلاف ولكن باختصار نقول: فارق كبير بين أن
يقوم الفنان بقراءة العمل والتعبير عنه برسمة الغلاف وهنا تلتقي العلاقة بين الفن
والأدب، وبين أن يقوم صاحب دار النشر بوضع غلاف تجاري بعيداً عن مضمون العمل وهذه
كارثة وقد أكدتُ أهمية الغِلافِ في كتابي
"عَتَبَات النَّـصِّ" ذلك أنَّه وبعد أنْ عبَّر الإنسانُ عن نفسه
بالرَّسْمِ أو بالتَّصوير أو بالنَّقْشِ أو بالكتابة باتَتْ الحاجةُ ملحَّـةً لأنْ
يحفظَ ما دوَّنه, فعمَدَ إلى الغلافِ الذي يحفظ ما بداخله، ورَسْمةَ
الغِلاف ما هي إلا تواصلٌ بصري يترجم واقع العمل الدَّاخلي. وعليه فإنَّ الغلافَ
يساعدُنا على فهم جنس العمل, وبيان المقصدية منه على المستوى الفنِّي أو الجمالي,
وهو ما يمتلك الخطاب الغلافي في تبيان العنوان واسم المؤلِّف, ويضمُّ
الغُلافُ كذلك في خطابه كلماتِ النَّاشر, وبعض التَّعليقات, ومن هنا فإنَّ الغِلافَ
لا غنى عنه في الخطاب الأدبي بصفةٍ عامةٍ والغلافي بصفة خاصة. وهو ما يجعلنا نقول
إن تعدد الطبعات لعمل واحد مع اختلاف الغلاف يحتاج إلى دراسة بعينها تتناول الفرق
بين كل طبعة وطبعة في الغلاف، فضلاً عن ربط الفن بالأدب وهو بمفرده يحتاج إلى
علماء كبار يكتبون في هذا المجال، وطرح جديد في عالم الدراسات الإنسانية. وإليك مثال
للباحثين "دراسة أغلفة ثلاثية نجيب محفوظ" بطباتها المختلفة وهو موضوع
خطير جداً ، لأن للغلافِ مدارس مختلف، وهي ثلاثُ مدارس،
من الأهمية بمكان، وكلُّ مدرسةٍ من المدارس لها متابعوها وعشاقها من الرَّسَّامين،
وقد توصلتُ إلى ذلك بعد دراسةٍ عميقةٍ للغِـلافِ، وما يرمي إليه الفنانُ، من
الرَّسمةِ أو اللوحةِ والتي يجب أن تتماهى مع العمل، سواءً أكانَ مِنْ قريبٍ أم
بعيد،فهناك الغلاف المفسر للنص والغلاف المترجم للنص والغلاف البعيد كل البعد
عن النص ولكل مدرسة خاصة فصلته في المعجم ..
-كتاباتك تشير إلى ميلك الشديد إلى التراث أكثر
من الحداثة، هل هذا صحيح؟
ليس كذلك بل أستحضر التراث معي بالضبط مثل الخائف من شيء مجهول ليكون دليلي،
والتراث هو الإنارة الحقيقية لكل ما هو قادم ومعظم دراساتي النقدية انطلقت من
التراث في كتابي حول "الشعرية" انطلقت من التراث من عبدالقاهر الجرجاني
وغيره الذين تناولوا الشعرية للتدليل على أن التراث حوى ذلك وكتابي "الألم في
الرواية العربية" أيضاً انطلقت من التراث وغيرها وهذا دليل على أن الخلفية
مرتبطة بالتراث فلا يمكن أن أخوض غمار الحداثة وأنا غير مسلح بالتراث لأن الحداثة
وما تمخضت عنه من تجليات لها ارتباط بالماضي فالإنسان يولد من أب وأم أي أن هناك
ميراثاً وهكذا في الأدب والفكر والإبداع بمعنى حين درست "عتبات النص في
الرواية في العصر الحاضر فقد انطلقت من
المقريزي الذي قال "" اعلَمْ أنَّ عَادةَ
القُـدَمَاءِ مِـنْ المُعَـلِّمِين قَـدْ جَرَتْ أنْ يأتُوا بالرِّؤوسِ
الثَّـمَانِيةِ قَبْل افْتِتَاحِ كُـلِّ كِتَابٍ, وهي: الغَرَضُ, العنوانُ,
المَنْفَعَةُ, والمَرْتَبَةُ, وصِحةُ الكِتَـابِ, ومِنْ أي صِنَاعَةٍ هو, وكَمْ
فيه مِـنْ أجزَاء, وأي أنحَاء التَّعاليمِ المُسْتَعْمَلةِ فيه " وهذه الأمور جميعها من
عتبات النص ثم قمت بتوظيفها الآن وبعد الحداثة وجاءت بنتائج مرضيه لجميع النقاد
والكتاب منها عمل المعجم ومنها عمل مجلة تحمل عنوان "عتبات" لأنني لا بد وأن أضيف جديداً في عالم النقد لأنه لو لم يكن هناك ما يفيد
الناس حديثاً إذا ما الفائدة من السهر والانكباب على الكتابة؟! وكما قال الشاعر:
إن الجديد إذا ما زيد في خلق &
تبين الناس أن الثوب مرقوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق