عتبـــــــات
مجلة أدبية ثقافية مُحَكَّمة
العدد الأول السنة الأولى
25/يناير
/ 2012 إهداء إلى
شهداء الثورة
في الذكرى الأولى
رئيس التحرير / عزوز علي إسماعيل
وأخيراً وجدت مجلة [عتبات ] النور فبعد أن اندلعت الثورات العربية مطالبة
بالحرية, بعد أن كانت محتلة من أولئك الطواغيت, فكرت طويلاً في عمل يعبر بصدق عن
ذلك الواقع, من خلال النهضة الثقافية التي تصبو إليها تلك الشعوب التي هبت من
ثباتها, فلم أجد إلا عتبات, لتكون [عتبات ]على الطريق المؤدي إلى نهضة الأمة
العربية, والوصل إلى المكانة التي تستحقها؛ لذلك فإنني أدعو كل الأدباء والنقاد
والعلماء من الأقطار العربية والغربية المختلفة إلى المشاركة في هذه المجلة,
وتستقبل المجلة الأبحاث والمقالات الخاصة بعتبات النصوص على هذا الإميل azozali@live.com, ولمشاهدة المجلة يمكن الرجوع إلى هذين
الرابطين:
http://azozaliesmaelaboeqal.blogspot.com
http://azozaliaboeqal.blogger.com
رؤية المجلة:
مجلة عتبات thresholds الثقافية هي مجلة أدبية ثقافية مُحُكَّمة
تعنى بالأبحاث ذات الاهتمام الخاص بعتبات النصوص وتتلخص عتبات النصوص في العنوان,
الغلاف, الإهداء, الاستهلال أو المقدمة أو التوطئة, أو التصدير, ثم الجمل
المفتاحية, والهوامش والتذييلات والجمل الخواتيم. وهو ما يطلق عليه النص الموازي الداخلي. وهناك النص الموازي الخارجي الذي
يتمثل في الكتابات الصحفية والتقارير واللقاءات مع المؤلف ..., هذه العتبات
نتخطاها لنتعرف كنه النصوص الروائية وأسرارها. وهي إضاءات للنص تسعى من أجل
مقاربته مقاربة دقيقة.
كتُّاب العدد
الأول
- عزوز علي
إسماعيل
- دكتور جميل
حمداوي المغرب
- دكتور سعيد محمد الفيومي فلسطين
- دكتور إبراهيم
عبد العزيز مصـر
- الأستاذ أحمد خليفة
بن يونس الأردن
يقوم بترجمة كتاب
" عتبات " thresholds of interpretation
Paratexts المترجم عن الأصل الفرنسي " seuils ".
وسينشر تباعاً بداية من المقدمة والتي
منها هذا الجزء المترجم .
ـ مستشارو العدد الأول:
الدكتور محمود عبدالحفيظ . كلية الآداب جامعة
الزقازيق مصر
الدكتور جميل حمداوي رئيس جمعية الجسور للثقافة
والفنون المغرب العربي
الدكتورة نجوى عانوس كلية
الآداب جامعة الزقازيق. مصر
الدكتور إبراهيم عبد العزيز
كلية الآداب جامعة القناة مصر
الفهرس
[ عتبات
النصِّ
] استلهام الماضي ورؤية المستقبل
بقلم رئيس التحرر / عزوز علي
إسماعيل مصر
العتبــــات النصيـــــة
:
الدكتور جميل حمداوي المغرب
أحمد بن يونس الأردن
قراءة في مقدمات [ تلك الرائحة [ لصنع
الله إبراهيم ]
عزوز علي إسماعيل
مصر
الدكتور/ إبراهيم عبد العزيز مصـر
وجـوه في المـاء الساخـن
للكاتب عبد الله
تايه(دراسة سميائية)
سيميائية الخطاب الغلافي في الرواية العربية
الدكتور جميل حمداوي .. . المغرب
العربي
[
عتبات النصِّ
]
استلهام الماضي ورؤية المستقبل
بقلم
عزوز علي إسماعيل
بُداءةً,
لقد نبَّـه النقدُ العربي القَدِيمُ إلى عتبات النصوص وأهميتها, من خلال
الإشارة إليها في طيات الكتب التراثية القديمة, فقد ذكر المقريزي في خططه شروطاً
لمن أراد أن يؤلف كتاباً وهي الرؤوس الثمانية التي يجب على مَنْ يقوم بتأليف كتاب
أن يأتي بها, وهي من صميم عتبات النصوص, وجاء بعده التهانوي في الكشاف ليشرح تلك
الرؤوس الثمانية وغيرهما من البلاغيين والصوفيين القدامى, نحو أبي بكر الصولي في
كتابه " أدب الكُتَّاب " وابن الأثير في كتابه "المثل السائر في
أدب الكاتب والشاعر" وأبي القاسم الكلاعي في كتابه " أحكام صنعة الكلام
" والجاحظ في كتابه الحيوان حين قال " إن لابتداء الكلام فتنة
وعُجْباً", إشارة منه إلى المقدمات. ومن ثم فإن الأدب العربي أول من وضع
الشذرات الأولى لدراسة عتبات النصوص.
أما
العصر الحاضر فقد شهد الربع الأخير من القرن الماضي حركة نقدية رائدة, تجلت في
مقاربة عتبات النصوص, وفق المناهج الحداثية, ولفت الانتباه إلى النص الموازي؛ سواء
أكان الداخلي منه أم الخارجي؛ في الغرب كان أم في الشرق, يأتي في مقدمتها دراسة
الناقد الفرنسي جيرار جينت في كتابه " العتبات " seuils, والذي
لم يترجم إلى العربية حتى الآن, وقد عدت هذه الدراسة الأولى من نوعها؛ نظراً
لمنهجيتها الجديدة. وكان شارل كريفل وليو هوك قد حفلا بالعتبات, فأنتج الأول
كتابه" إنتاج الفائدة الروائية production de lintier Romanesque" أما الثاني فقد أنتج كتاباً كان بمثابة التمهيد لعلم
العنونة وهو" علامة العنوان la marque du titre" ولم تقف دراسة عتبات النصوص عند العالم الغربي فحسب, بل
اضطلع النقد العربي الحديث بدوره, فظهرت أصوات جديدة في الوطن العربي بمشرقه
ومغربه, ففي مصر رأينا محمد فكري الجزار في دراسته التي حملت عنوان " العنوان وسيميوطيقا
الاتصال الأدبي" ودراسة محمد عويس " العنوان في
الأدب العربي"..
وفي المغرب ظهرت أصوات جادة أمثال جميل حمداوي وعبد الفتاح الحجمري وشعيب حليفي
وغيرهم من النقاد الذين اهتموا بالعتبات, وما يؤخذ على تلك الدراسات أن جلَّ
اهتمامها كان منصباً على العنوان فقط.
من
هذا المنطلق, فقد لاح في الأفق علمٌ جديدٌ هو" علم العتبات
" بعد أن ظلت تلك العتبات مهمشة لفترة طويلة من الزمان, لذلك يجب أن نحتاط
إليها؛ ذلك أن دراسة العتبات في هذا الوقت ستعيد صياغة أخرى
للشعرية؛ لأن الشعرية تتغير وتتطور وفق تغير وتطور الزمان والمكان, وكلما تقدمت
الدراسات النقدية تقدمت معها الشعرية, وهي موضوع العتبات. فبعد أن عجزت البلاغة
القديمة عن مسايرة النصوص وتفسيرها أصبحت الشعرية هي الملاذ الآمن لمعرفة السبل
التي تساعد على فك طلاسم النصوص وعتباتها, وكل ما يحيط بها.
لذلك, ولكلِّ ما
سبق؛ سواء أكان في القديم أم الحديث, في الغرب كان أم في الشرق, يتحتم علينا دراسة
تلك العتبات وأن تكون هناك آلية عربية لدراسة النصوص من خلال المناهج المختلفة,
وأن تتبنى المحافل اللغوية الترجمات ليصطلحوا على معنى واحد للفظة بعينها بدلاً من
الاختلافات حول ترجمتها, كما حدث في لفظة "النص الموازي" فنجد ترجمة في
مصر تختلف عن ترجمة أخرى في المغرب. ونتمنى أن تكون هناك دراسات تأخذ على عاتقها رفع شأن ذلك
العلم " علم العتبات " ليكون هو العلم الوليد الذي يتفرع منه علوم أخرى,
نحو علم العنونة وعلم الإهداءات وعلم المقدمات وعلم النهايات وعلم الخواتيم, وعلم
الأغلفة ورؤية الفنان للعالم..., وأن تسعى المناهج النقدية الحديثة إلى استكشاف
هذا العلم الجديد من خلال مقاربة النصوص وعتباتها. وأن
تكون هناك دورية خاصة بالعتبات وهو ما نسعى من أجل تحقيقه الآن الكترونيا. من خلال
هذه المجلة" عتبات " على أمل أن تتبناها إحدى وزارات الثقافة في البلاد
العربية.
رئيس
التحرير عزوز
علي إسماعيل
azozali@live.com
العتبــــات النصيـــــة
توطئـــــة:
شهدت
الدراسات والأبحاث السردية في السنوات الأخيرة اهتماما كبيرا بالعتبات -Seuils- (كما عند جنيت Genette)، أو هوامش
النص(عند هنري ميتران H.
Mitterand) ، أو العنوان بصفة عامة
(عند شارل كريفل Ch.
Grivel) ، أو ما يسمى اختصارا
بالنص الموازي (Le
Paratexte).
وقد أثار مصطلح (Le paratexte) أو (La paratextualité)، في استعمالات
وتوظيفات جيرار جنيت G.Genette ،
اضطرابا في الترجمة داخل الساحة الثقافية العربية بين المغاربة والمشارقة. والسبب
في ذلك، الاعتماد على الترجمة القاموسية الحرفية، أو اعتماد المعنى وروح السياق
الذي وظف فيه في اللغة الأصلية.
وهكذا، يترجم سعيد يقطين
مصطلح (Paratextes)
بالمناصصات. وهي عنده ، في كتابه: "القراءة والتجربة"، تلك:
"التي تأتي على شكل هوامش نصية للنص الأصل، بهدف التوضيح، أو التعليق، أو
إثارة الالتباس الوارد. وتبدو لنا - يقول الباحث- هذه المناصصات خارجية غالبا،
ويمكن أن تكون داخلية»([1]).
ويستعمل سعيد يقطين ، في
كتابه :"انفتاح النص الروائي"، مصطلح المناص بعد عملية الإدغام
الصرفية، ويجمعها على صيغة المناصات. فالمناص اسم فاعل من الفعل ناص مناصة، معللا
اختياره بما يجد في هذا الفعل من دلالة على المشاركة والجوار. ومنه أخذ المناصة
للدلالة على اسم الفاعل([2]).
وبعد ذلك، يوظف هذا الباحث المغربي «المناص» في كتبه اللاحقة، ولا سيما في "الرواية
والتراث السردي" منها([3]).
ومن جهة أخرى، نجد عند محمد
بنيس مصطلحا آخر هو (النص الموازي). ويقصد به الطريقة التي بها: "يصنع به من
نفسه كتابا، ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه، وعموما على الجمهور" ([4]).
فالنص الموازي عند بنيس عبارة
عن عتبات تربط علاقة جدلية مع النص بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. يقول بنيس عن
النص الموازي بأنه تلك: "العناصر الموجودة على حدود النص، داخله وخارجه في
آن، تتصل به اتصالا يجعلها تتداخل معه إلى حد، تبلغ فيه درجة من تعيين استقلاليته،
وتنفصل عنه انفصالا، يسمح للداخل النصي، كبنية وبناء، أن يشتغل، وينتج
دلاليته"([5]).
وقد أثبت محمد بنيس أن
الشعرية اليونانية الأرسطية والشعرية العربية معا لم تهتما :" بقراءة ما يحيط
بالنص من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها"([6])،
وقد قادته عملية الملاحظة والاستقراء إلى العثور:"فيما بعد على دراسات نصية
حديثة في حقل الفلسفة والشعرية خصوصا، تنصت بطريقتها إلى هذه العناصر، كما لعناصر أخرى، تشكل معها عائلة واحدة"([7]).
ولكن إذا تصفحنا كتب النقد
العربي القديم في المشرق والأندلس، فسنجد مصنفات كثيرة تهتم بعتبات النص الموازي،
لاسيما عند الكتاب الذين عالجوا موضوع الكتابة والكتاب، كالصولي، وابن قتيبة،
والكلاعي، وابن وهب الكاتب، وابن الأثير، ومحمد علي التهانوي، وغيرهم. فالصولي - مثلا
- ركز كثيرا في كتابه: "أدب الكاتب" على العنونة وفضاء الكتابة،
وأدوات التحبير والترقيش، وكيفية التصدير، والتقديم والتختيم([8]).
ويتــرجم فــريد الزاهي
مصطلـح(Le
paratexte) بالمحيط الخارجي أو محيط النص الخارجي([9])،
ويستعمل عبد العالي بوطيب المناص على غرار
ترجمة سعيد يقطين([10]).
ولكن عبد الفتاح الحجمري يختار (النص الموازي) مثل: محمد بنيس([11])،
ويستعمل عبد الرحيم العلام مصطلح (الموازيات)([12]).
ويترجم الباحث التونسي محمد الهادي المطوي مصطلح (La paratextualité)
بالموازية النصية أو الموازي النصي على عكس ترجمة محمد بنيس، وهذه الترجمة حرفية
وقاموسية ليس إلا.
و ترد سابقة Para ترجمة
للموازي، بمعنى المحاذاة والتفاعل معا و " في اللغة توازى الشيئان: تحاذيا
وتقابلا. وذلك حتى يشمل المصطلح الصنفين السابقين من الموازي النصي [أي: النص
الداخلي والنص الفوقي الخارجي] ، وفيهما ما لا يجاور المتن في نفس الأثر، كأن يكون
شهادة أو تعليقا أو توضيحا، إذا جاء متأخرا عن طبعه ونشره"([13]).
هذا، وقد ترجم الباحث
اللبناني عبد الوهاب ترو مجموعة من المصطلحات التي أوردها جنيت على النحو التالي:
1. المتعاليات النصية: transtextualité
2.
النصوصية المرادفة: paratextualité
3. النصوصية الشمولية :architextualité
4. النصوصية الشاملة : hypertextualité
5. ما وراء النصوصية : métatextualité
يقول عبد الوهاب ترو:"
أضاف جيرار جنيت أشكالا جديدة على المتعاليات النصية: "فالتناص أو النصوصية
المرادفةParatextualité "
تقيم علاقة بين النص الأدبي، وكل ما يحيط به من عناوين ومقدمات وملاحق. أما
"وراء النصوصية Métatextualité، فتربط
النص بنص آخر يتكلم عنه، دون أن يسميه، أو ينقل عبارات منه"([14]).
ونجد عند السوري محمد خير
البقاعي مصطلح الملحقات النصية، وهي ترجمة جيدة ودقيقة؛ لأن النص الموازي عبارة عن
عتبات وملحقات تحيط بالنص من الداخل أو من الخارج([15])،
أما ترجمات عبد الوهاب ترو، فهي ترجمات حرفية وغامضة وكثيرة الاضطراب، وإلا فما
الفرق بين النصوصية الشمولية والنصوصية الشاملة؟!!
واستعمل المختار حسني مصطلح
النصية الموازية([16])،
واستعمل المقداد قاسم مصطلح الترافق([17]).
وعليه، إذا عدنا إلى قواميس اللغة الأجنبية لتحديد مفهوم مصطلح (La paratextualité، فإننا نجد السابقة اليونانية-Para- الأصل، توظف بمعنى: بجانب. وهي، في اللغة الفرنسية، تسبق عدة كلمات، كما ورد في
معجم روبير الكبير. ولها معان أخرى مختلفة، نذكر منها: المجاورة، والقرابة،
والمصاحبة، والمشابهة، والوقاية من... إلى آخره. و تعني textualité النصية، و تعني كلمة texte النص. لذا، أفضل مصطلحي
النص الموازي لترجمة(Le
paratexte)، أو الملحقات النصية، وذلك على غرار ترجمتي محمد بنيس، ومحمد خير
البقاعي، وإن كان النص الموازي أفضل. فالنص الموازي عبارة عن عتبات مباشرة،
وملحقات وعناصر تحيط بالنص سواء من الداخل أم الخارج. وهي تتحدث مباشرة أو غير
مباشرة عن النص، إذ تفسره، وتضيء جوانبه الغامضة، وتبعد عنه التباساته، وما أشكل
على القارئ. وتشكل العناصر الموازية في الحقيقة نصوصا مستقلة، فالخطاب المقدماتي
ما هو في الحقيقة إلا نص مستقل بذاته، له بنيته الخاصة، ويمتلك دلالات متعددة، ويستجمع
وظائف معينة.
كما يرد العنوان في شكل صغير،
ويختزل نصا كبيرا ، وذلك عبر التكثيف،
والإيحاء، والترميز، والتلخيص. وهكذا، تشكل الملحقات المجاورة للنص
(المؤلف-الجنس-المقدمات-العناوين-الحوارات إلخ...) نصوصا مستقلة مجاورة وموازية
للنص. ولهذا، فضلنا استعمال مصطلح (النص الموازي) في أطروحتي[18]،
مع توظيف مفاهيم أخرى، كالعتبات، وهوامش النص، والملحقات النصية، لتعضيد هذا
المصطلح الأساسي.
زد على ذلك، يعتبر النص
الموازي من أهم عناصر المتعاليات النصية-Transtextualité- ، إلى
جانب التناص، والتعالق النصي، ومعمارية النص، والنص الواصف. ويتكون النص الموازي
من ملحقات، وعتبات داخلية وخارجية، تتحدث عن النص بالشرح، والتفسير، والتوضيح،
كعتبة المؤلف، وعتبة الإهداء،...إلخ.
ويعني هذا أن ما يهم جنيت ليس
هو النص؛ ولكن التعالي النصي، والتفاعلات الموجودة بين النصوص، وذلك عبر عمليات:
الوصف، وتداخل النصوص، والمجاورة النصية، والتعالق النصي، من خلال جدلية السابق
واللاحق، إلى جانب مكونات تداخل الأجناس الأدبية([19]).
وفي سياق أطروحات جيرار جنيت؛
يشير جان ماري شايفر Chaeffer إلى
خاصية التعددية النصية (hypertextualité). فهي عنده تعني العلاقات القائمة بين نص معين وعدة نصوص أخرى، تمثل بالنسبة إليه نماذج
أجناس، كما يتضح من فحص ما سماه الباحث بالإشارات والسمات وآثار الأجناس([20]).
هذا، ويعرف جنيت النص الموازي
في كتابه:
الأطراس "Palimpsestes" بأنه نمط ثان من التعالي النصي. "ويتكون من علاقة هي عموما أقل وضوحا وأكثر اتساعا. ويقيمها النص في الكل الذي يشكله العمل الأدبي، مع ما يمكن أن نسميه بالنص الـموازي، أو الملحـقات النصية Les Paratextes، كالعنوان، والعنوان الفردي، والعناوين الداخلية، والمقدمات، والملحقات، والتنبيهات، والتمهيد، والهوامش في أسفل الصفحة أو في النهاية، والمقتبسات والتزيينات، والرسوم، وعبارات الإهداء والتنويه والشكر، والشريط، والقميص، وأنواع أخرى من العلامات الثانوية، والإشارات الكتابية، أو غيرها ، مما توفر للنص وسطا متنوعا. وقد يكون في بعض الأحيان شرحا أو تعليقا رسميا أو شبه رسمي"([21]).
الأطراس "Palimpsestes" بأنه نمط ثان من التعالي النصي. "ويتكون من علاقة هي عموما أقل وضوحا وأكثر اتساعا. ويقيمها النص في الكل الذي يشكله العمل الأدبي، مع ما يمكن أن نسميه بالنص الـموازي، أو الملحـقات النصية Les Paratextes، كالعنوان، والعنوان الفردي، والعناوين الداخلية، والمقدمات، والملحقات، والتنبيهات، والتمهيد، والهوامش في أسفل الصفحة أو في النهاية، والمقتبسات والتزيينات، والرسوم، وعبارات الإهداء والتنويه والشكر، والشريط، والقميص، وأنواع أخرى من العلامات الثانوية، والإشارات الكتابية، أو غيرها ، مما توفر للنص وسطا متنوعا. وقد يكون في بعض الأحيان شرحا أو تعليقا رسميا أو شبه رسمي"([21]).
ويضيف جنيت في كتابه (عتباتseuils ) أن النص الموازي هو الذي: "
يجعل النص كتابا ليقدم إلى القراء بصفة خاصة، والجمهور بصفة عامة."([22])
أي:إنه عبارة عن ملحقات نصية وعتبات، نطؤها قبل ولوج أي فضاء داخلي، كالعتبة
بالنسبة إلى الباب، أو كما يقول المثل المغربي: "أخبار الدار على باب الدار!".
أو كما قال جنيت نفسه في شكل حكمة: "احذروا العتبات!".([23])
ومن المعلوم، أن النص الموازي
" بأنماطه المتعددة، ووظائفه المختلفة، هو كل نصية شعرية أو نثرية تكون فيها
العلاقة، مهما كانت خفية أو ظاهرة، بعيدة أو قريبة بين نص أصلي هو المتن، ونص آخر
يقدم له أو يتخلله مثل العنوان المزيف، والعنوان، والمقدمة، والإهداء، والتنبيهات،
والفاتحة، والملاحق، والذيول، والخلاصة، والهوامش، والصور، والنقوش، وغيرها من
توابع نص المتن، والمتممات له، مما ألحقه المؤلف أو الناشر أو الطابع داخل الكتاب
أو خارجه، مثل: الشهادات، والمحاورات، والإعلانات، وغيرها، سواء لبيان بواعث
إبداعه وغاياته، أو لإرشاد القارئ وتوجيهه،
حتى يضمن له القراءة المنتجة"([24]).
وعليه، فالنص الموازي عبارة
عن نصوص مجاورة، ترافق النص في شكل عتبات وملحقات، قد تكون داخلية أو خارجية. ولها
عدة وظائف دلالية، وجمالية، وتداولية. ويعرفه سعيد يقطين بأنه عبارة عن تلك:
"البنية النصية التي تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين، وتجاورها
محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة، وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا، وقد
تنتمي إلى خطابات عديدة، كما أنها قد تأتي هامشا أو تعليقا على مقطع سردي أو حوار،
وما شابه"([25]).
ولا يمكن أن يكون النص
الموازي كليا، فهو بنية نصية جزئية يتم توظيفها داخل النص، بغض النظر عن سياقاتها
الأصلية. ويشمل هذا النص عتبات وملحقات تساعدنا على فهم خصوصية النص الأدبي،
وتحديد مقاصده الدلالية والتداولية، ودراسة العلاقة الموجودة بينها وبين العمل.
وهي محفل نصي قادر على إنتاج المعنى، وتشكيل الدلالة من خلال عملية التفاعل النصي.
لذا، فللعتبات: " الدور التواصلي الهام الذي تلعبه في توجيه القراءة، ورسم
خطوطها الكبرى، لدرجة يمكن معها اعتبار كل
قراءة للرواية – بدونها- بمثابة دراسة قيصرية اختزالية، من شأنها إلحاق ضرر كبير
بالنص، وتشويه أبعاده ومراميه"([26]).
وللنص الموازي وطيفتان: وظيفة
جمالية تتمثل في تزيين الكتاب وتنميقه، ووظيفة تداولية تكمن في استقطاب القارئ
واستغوائه. بل إن المظهر الوظيفي لهذا النص المجاور يتلخص أساسا - كما أشار جنيت
إلى ذلك- في كونه: "خطابا أساسيا، ومساعدا، مسخرا لخدمة شيء آخر يثبت وجوده
الحقيقي، وهو النص"([27])،
وهذا ما يكسبه – تداوليا- قوة إنجازية وإخبارية، باعتباره إرسالية موجهة إلى
القراء أو الجمهور ([28]).
إذاً، فللعتبات أهمية كبرى في
فهم النص، وتفسيره، وتأويله من جميع الجوانب، والإحاطة به إحاطة كلية، وذلك
بالإلمام بجميع تمفصلاته البنيوية المجاورة، سواء من الداخل أوالخارج، خاصة التي
تشكل عمومية النص، ومدلوليته الإنتاجية والتقابلية. ويمكن تقسيم النص الموازي إلى
قسمين:
1.
النـص المــوازي الداخــلي (Péritexte):
وتعني السابقة اليونانية (Péri) حول،
أو كل نص مواز يحيط بالنص أو المتن (النص المحيط)، أو النص الموازي الداخلي أو
المصاحب أو المجاور. والنص الموازي الداخلي عبارة عن ملحقات نصية، وعتبات تتصل
بالنص مباشرة. ويشمل كل ما ورد محيطا بالكتاب من الغلاف، والمؤلف، والعنوان،
والإهداء، والمقتبسات، والمقدمات، والهوامش، وغير ذلك مما حلله جيرار جنيت في
الأحد عشر فصلا الأولى من كتابه: "عتبات"([29]).
2.
2.النص المــوازي الخارجي (Epitexte):
وتعني السابقة اليونانية (Epi)
"على". أي: النص الموازي الخارجي أو الرديف أو النص العمومي المصاحب.
"وهو كل نص من غير النوع الأول، مما يكون بينه وبين الكتاب بعد فضائي،
وفي أحيان كثيرة زماني أيضا، ويحمل صبغة إعلامية، مثل: الاستجوابات، والمذكرات،
والشهادات، والإعلانات، ويشمل الفصلين الأخيرين من كتاب جنيت السابق ذكره"([30]).
إذاً، فالنص الموازي الخارجي
هو كل نص مواز لا يوجد ماديا ملحقا بالنص ضمن الكتاب نفسه، ولكن ينتشر في فضاء
فيزيائي واجتماعي غير محدد بالقوة. وبذلك، يكون موضع (النص العمومي المصاحب) في أي
مكان خارج الكتاب: كأن يكون منشورا بالجرائد، والمجلات، وبرامج إذاعية، ولقاءات،
وندوات... إلخ.
فهذان النصان (الداخلي
والخارجي للنص الموازي) يحيطان بنص مركزي بؤري هو النص الإبداعي الرئيس. ولا يمكن
فهم هذا النص أو تفسيره، إلا بالمرور عبر العتبات المحيطة، ومساءلة ملحقاته النصية
والخارجية. وبالتالي، فإن العلاقة بين النصين: الموازي والرئيس، علاقة جدلية قائمة
على التبنين، والمساعدة على إضاءة النص
الداخلي، قصد استيعابه، وتأويله، والإحاطة به من جميع الجوانب. ولقد أهمل النقد
الروائي الغربي والعربي على حد سواء ما يسمى بالنص الموازي مدة طويلة، واكتفى
الباحثون والدارسون بالانكباب على النص الإبداعي الداخلي، وأهملوا ما يحيط بهذا
النص من هوامش، وفهارس، وعناوين، وإهداءات، وصور أيقونية، وما إلى ذلك؛ على الرغم
من أن رولان بارت R. Barthes ، يصرح
في كتاباته بأن: «كل ما في الرواية له دلالة»([31]).
وقد أعادت الشعرية (Poétique) - بنيوية كانت أم سيموطيقية- الاعتبار لهذا النص الموازي المهمش،
بل اعتبرته المدخل الأساس إلى أعماق النص الإبداعي. وكل إقصاء لما هو خارجي، يجعل
من هذا العمل ناقصا مليئا بالثغرات المنهجية والنواقص السلبية.
هذا، ويضم النص الموازي أو
هوامش النص - كما يعبر هنري ميتران H. Mitterand- مجموعة من العتبات والملحقات النصية الداخلية والخارجية. وتتمثل أهمية النص الموازي في تحليل ما يصنع به النص من
نفسه كتابا، ويقترح ذاته بهذه الصفة على قرائه، وعموما على الجمهور. ويعني
هذا أن النص الموازي ما هو إلا إطار مادي فيزيائي، ودال معنوي تداولي، يربط علاقات
مباشرة وغير مباشرة بالنص، لجذب القارئ، والتأثير عليه على مستوى الاستهلاك،
والتقبل الجمالي.
هذا، وإن عتبات النص الموازي
عبارة عن ملحقات تحيط بالنص من الناحية الداخلية أو الخارجية. وهي تنسج خطابا ميتا
روائيا عن النص الإبداعي، وترسل حديثا عن النص والمجتمع والعالم.
وعليه، فلم يول النقد الروائي
العربي النص الموازي أهمية كبرى إلى يومنا هذا، على الرغم من بعض الدراسات التي
تعد على الأصابع في شكل مقالات أو أبحاث جزئية في حدود علمنا([32]).
وقد أصبح من الضروري الآن الاهتمام
بعتبات النص الروائي، فهي أساسية لولوج عالم النص الأدبي، وفتح مغالقه، واستكناه
أعماقه، لكي نسبر أغوار النص الداخلية، و نضع أقدامنا الثابتة على مداخل النصوص
وعتباتها، بما فيها العنوان، والتقديم، والتصنيف، والإهداء، ومعمارية النصوص،
والفضاء النصي بصفة عامة...
وتأسيسا على ماسبق، يهدف النص
الموازي إلى: " تقديم تصور أولي، يسعف النظرية النقدية في التحليل، مع إرساء
قواعد جديدة لدراسة الخطاب الروائي"([33])،
ويعد النص الموازي كذلك :"البهو vestibule - بتعبير لوي بورخيس- الذي منه ندلف إلى دهاليز ، نتحاور فيها مع
المؤلف الحقيقي والمتخيل"([34]).
كما أنه: " يسعى إلى تقشير جيولوجيا المعنى بوعي، يحفر في التفاصيل، وفي النص
الأدبي، الذي يحمل في نسيجه تعددية، وظلالا لنصوص أخرى"([35]).
وهكذا، فقراءة العتبات،
وتحليلها في علاقتها بالنص الروائي، ومراعاة السياقين: النص والتجنيسي، عملية
ناجحة وهادفة؛ لأنها تحيط بالعمل الروائي من جميع جوانبه، بدءا بكونه مخطوطا،
مرورا بطبعه، ووصولا إلى تلقيه.[36]
وتبدو العتبات: "موضوعا
جديرا بالاحتفال، ومادة خصبة للنقد عموما، والنقد الإيديولوجي بكيفية حصرية، وذلك
لسببين: أولهما، يرتبط بأهميتها المحددة بمواقعها الاستراتيجية، وبوظائفها
وأدوارها، وثانيهما، يعود إلى علاقتها النوعية بالعالم، وبالنص الذي تنكتب على
مشارفه، وتشكل تخومه"([37]).
وما زال موضوع العتبات في
الثقافة العربية القديمة في حاجة ماسة إلى من يسبر أغواره، ويعيد النظر في دراسته
ويصفه.
ويلاحظ ،حين متابعة الثقافة
الأجنبية الغربية في تطورها، أن ما خصت به موضوع العتبات يمثل كما معتبرا على حد
علمي([38])،
خصوصا، وأنه بدأ يتضح بشكل نظري أكثر مع جيرارجنيت في
كتابه :"عتبات Seuils"، حيث قاربه نظريا وتطبيقيا([39]).
ومن هنا، بدأ الاهتمام بعتبات النص، وصار درسها يندرج:"ضمن سياق نظري وتحليلي
عام، يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص، وتحديد جانب أساس من
مقاصده الدلالية، وهو اهتمام أضحى، في الوقت الراهن، مصدرا لصياغة أسئلة دقيقة،
تعيد الاعتبار لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق، وقوفا عند ما يميزها، ويعين طرائق
اشتغالها"([40]).
خاتمــــة:
تلكم – إذا- نظرة مقتضبة حول
النص الموازي ، ذلك النص الذي ينكب على دراسة العتبات المحيطة والفوقية، من أجل
فهم النص، وتفسيره، وتأويله، بنية ودلالة ووظيفة. ولايمكن مقاربة النص الأدبي ،
كيفما كان جنسه أو نوعه أو نمطه، في معزل عن النص الموازي ؛ نظرا لأهميته الكبيرة
في التعامل مع النص الأدبي تشريحا وتفكيكا وتركيبا ، ومن ثم، يعتمد النص الموازي
على دراسة العتبات الموازية في علاقة مع النص الرئيس والنص المرجعي، ونسمي هذه
المقاربة التي يشتق اسمها من النص الموازي بالمقاربة المناصية(L'approche paratextuelle).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة
بداية المقدمة عن كتاب جيرار جينت
Seuils)
paratexts )
أحمد
بن يونس الأردن
من خلال النسخة الإنجليزية
Translated
by janee.lewin
Thresholds
of interpretation
إن
العمل الأدبي يحتوي بشكل كلي أو جوهري على نصٍّ معترف بحده الأدبي على أنه أكثر أو
أقل من سلسلة جمل لفظية طويلة لها أهمية. ولكن يبقى هذا النص مقدماً بشكل نادر
بطريقة غير مزخرفة وغير ثابت وغير مصاحب لأعداد محددة من الألفاظ أو التناصات
الأخرى: على سبيل المثال اسم المؤلف والعنوان ومقدمة الكتاب أو الفاتحة والتوضيحات
الأخرى.
وعلى الرغم من أننا عادة لا نعرف ما إذا كانت
هذه التناصات متعلقة بالنص نفسه ـ على أي حال ـ فإن هذه التناصات تحيط بالنص أو تعتبر امتداداً له, على وجه التحديد,
وذلك من أجل تقديم ذلك النص في الوضع الاعتيادي والمنطقي له وللتأكيد على حضور ذلك
النص في العالم( الوجود ) وبالتالي تناول ذلك النص واستهلاكه على شكله( في أيامنا
هذه على الأقل ) في الكتاب وهذه النتاجات المصاحبة عادة ما تكون متنوعة في
الامتداد والشكل( الظهور ) تستمد ما قلته في مكان آخر عن العمل النصي. بالمحافظة
في بعض الأحيان على المعنى المبهم لهذه الإضافة( النص) ( لقد ذكرت الصفات مثل( أعلى
منها قوات الجندية أم شبه عسكرية بالنسبة لنا وبناء على ذلك فإن paratext هو ما يمكِّن النصَّ لأن يصبح كتاباً أو عرضاً لقراءة أو بشكل عام
للعامة من الناس.
أكثر
من الحدود أو الحد الحكم فإن para أكثر منه بداية أو كلمة أو كما استخدم بورخيس
المقدمة السديدة على اعتبارها ( مدخل) يتيح للعالم بالدخول في مسؤولية كبيرة
بالبقاء داخل النص أو العودة ( الخروج منه) وبالتالي فإنها منطقة غير محددة بين
الداخل والخارج , منطقة بدون أي حرس أو جاء( في الداخل النصي( عودة إلى داخل النص)
أو حتى إلى الجانب الخارجي (بالعودة إلى العالم الحديث بنظرته إلى النص). الحافة
أو كما وصفها فيلب " إن الهامش للنص المطبوع هو في الحقيقة الذي يتحكم بقدرة القارئ
على قراءة النص كله" كما أن هذا الهامش عادة ما يكون الناقل للشرح أو التغير
كما أراد المؤلف حين يكون له القدرة من تحويل تلك المنطقة ما بين النص والخروج عن
النص منطقة ليست فقط قائمة على التحول بل التحويل تكون ما بين التقنيات المستخدمة والأسلوب
الواقعي بتأثيرها على العامة تأثير يكون جيداً للفهم أو ضعيف للفهم وعادة ما يتبع
هذا التأثير على النص, وعلى القارئ من نظرة المؤلف وحلفائه من القراء. إذا أردنا أن
نعبر أو نقول خبر ذلك التأثير بتصريح مكبوح فإن ما تبقى من الكتاب بمعزل عن مقدمته
تقريباً لايساوي شيء إلا بمعناه وطرقه وذلك التأثير.
ولنحدد
ما هو على المحك, نستطيع أن نقول أو نسأل ذلك السؤال البسيط على سبيل المثال,
لتحديد النص بمفرده وبدون أية أدلة أو تعليمات كيف لنا أن نقرأ جويس يوليس إذا لم
تكن معنونه تحت اسم يوليس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءة في مقدمات
[ تلك الرائحة ]
[ لصنع الله إبراهيم ]
الباحث/ عزوز علي إسماعيل
توطئة
يقول
الجاحظ " إن لابتداءِ الكلام فتنةً وعُجباً " إشارة منه إلى أهمية المقدمات
التي يُبتدأ بها النصوص الأدبية؛ سواء أكانت كتباً نقدية أم أعمالاً روائية, حيث
كانت المقدمات في الأعمال الروائية الأولى, من أجل تبيان الغرض من الرواية نفسها
بوصفها جنساً أدبياً جديداً, فنجد المقدمة في الرواية آنذاك طويلة جداً لدرجة أنها
تحتاج إلى دراسة بمفردها, وهذا راجع أولاً إلى أن الفن الروائي في بدايته لم يكتمل
تصوره, فعمد الروائيون إلى تصدير رواياتهم, بمقدمات يشرحون فيها الغرض من التأليف
الروائي, فرواية " مليم الأكبر " بمفردها لعادل كامل وصلت مقدمتها إلى
ما يقرب من مائة وخمسين صفحة, وهو ما يوحي بأن هناك أمراً ضرورياً يلح عليه الكاتب
لإيصاله إلى الناس, وهو تعريفهم بهذا الفن الجديد, واتسمت الفترة الأولى للقرن
الماضي بالتأصيل النظري للرواية من خلال المقدمة, وهناك أمر آخر كان داعياً لمثل
هذه المقدمات, وهو الرد على من ينظر إلى الرواية باعتبارها مفسدة للأخلاق, وهو ما
كان معتملاً فيما مضى, فنرى يعقوب صروف يكتب مقالة عام 1882 بعنوان " ضرر
الروايات والأشعار الحبية" ليوضح فيها أضرار الروايات على الشباب والشابات,
ظناً منه أن الروايات ستكون سبباً في انحراف الشباب"وقد ظل هذا التأثير
مستمراً حتى العصر الحديث, فحين كتب محمد حسين هيكل قصته " زينب " في
بداية العقد الثاني من القرن العشرين تردد في نشرها, ولما نشرها لم يقدمها بوصفها
قصة ولم يكتب اسمه عليها, لكنه قدم لها بوصفها مناظر وأخلاق ريفية بقلم مصري فلاح,
وقد أرجع محمود تيمور السبب الذي من أجله أخفى هيكل اسمه إلى الموقف السائد من
القصة" [41]
وهو ما يؤكد الفكر السائد آنذاك من أن الرواية أو القصة مفسدة للعقول الشابة.
ولكن,
وبنظرة فاحصة بعد ذلك نرى معظم الأدباء على أن الرواية هي معبرة عن واقع المجتمع
وأصبحت وظيفتها الرئيسية هي التعبير عن المجتمع, بمعنى أن وظيفة الرواية هي وظيفة
اجتماعية. ثم بدأ الجميع فيما بعد يكتب المقدمات في ذلك, فأصبحت المقدمات من عتبات
النصوص, التي اهتم بها النقاد الأوائل, وليس أدل على ذلك من احتفاء المقريزي بذكر
العتبات في خططه وحديثه عن المقدمة والتي تسعى من أجل استجلاء العمل وتوضيح ما
سيقوم عليه, وكان ذلك من خلال الرؤوس الثمانية[42]
التي يجب على من يقوم بالتأليف أن يأتي بها, لذلك فإن المقدمة أصبحت من الأهمية
بمكان لمعرفة ما يمور بالنص وكذلك معرفة منهج الكاتب في كتابته. من أجل ذلك سنقوم
بمقاربة مقدمات قصة " تلك الرائحة " للكاتب صنع الله إبراهيم من خلال
الاتجاه القراءة السردية لمعرفة الوظيفة والعلاقة التي تربط بين المقدمة والعمل.
وظيفة المقدمة
كُتب
لمجموعة تلك الرائحة للكاتب " صنع الله إبراهيم " أكثر من مقدمة, فهناك
مقدمتان ذاتيتان وأخرى غيرية, وهي تحت أيدينا الآن¨. أما المقدمتان الذاتيتان
فهما للكاتب نفسه, والمقدمة الغيرية للأديب الدكتور يوسف إدريس؛ لذلك فسنقف أولاً
عند مقدمة الأديب الدكتور يوسف إدريس؛ ذلك أن يوسف إدريس قد ذكر في تلك المقدمة أن
هذا العمل ليس مجرد قصة, ونعرف أن يوسف إدريس أستاذ القصة القصيرة, فهو من هضم
أعمال تشيكوف§, وجادت قريحته بقصص عديدة,
وفي هذه المقدمة حاول البرهنة على موهبة الكاتب صنع الله إبراهيم, بداية من عنوان
المقدمة بقوله إنها ليست مجرد قصة, بل هي آهة تثير الهلع وهو ما يدلل عليه في
نهاية المقدمة بقوله" إنها ليست قصة, قل إنها صفعة أو صرخة أو آهة منبهة قوية
تكاد تثير الهلع"[43].
وهو ما يشير إلى رؤية يوسف إدريس في صنع الله إبراهيم. فالمقدمة سواء أكانت غيرية
أم ذاتية توضح ثقافة الكاتب وقيمة العمل, وبما أن هذه المقدمة هي غيرية فهي "
نصٌ يتصدر الكتاب..يتوجه الكلام فيه إلى القارئ. غاية المقدمة تقديم معلومات مفيدة
عن الكتاب, وعن المؤلف أحياناً"[44].
وهو ما يظهر من خلال المقدمة؛ حيث حاول يوسف إدريس أن يوضح فيها مقدرة صنع الله
إبراهيم خاصة وهو مازال شاباً, وكان ذلك في عام 1966, حيث كانت موهبة صنع الله
بدأت في التهيج والتفتح. وحينما يرى أديبٌ شابٌ شخصيةً مثل يوسف إدريس تقول عنه
هذا الكلام فإنه حتماً سينهض من كبوته إن كانت؛ ذلك أن هذا التشجيع الصادر من رائد
القصة القصيرة لهو أهم دافع لشاب ما زال يحبو نحو دهاليز الأدب. وهنا لا بد أن
نذكر أن المقدمة أياً كانت فهي تجيب عن سؤالين لماذا وكيف؟ لماذا هذا النص دون
غيره؟ وكيف يقوم الكاتب بالتعبير عما جادت به قريحته في القصة؟ فالمقدمة تسعى من
أجل تبيان طريقة الكاتب في كتابته, وإذا كانت غيرية فإن الكاتب صاحب المقدمة يحاول
تقديم المؤلف للمتلقي من خلال عمله, وبالتأكيد لن يكتب أحد مقدمة لقصة كهذه
وكشخصية مثل يوسف إدريس إلا إذا كان يعلم, أن هذه المجموعة على قدر كبير من
الإبداع, لذلك فإن السؤال لماذا " يرمي إلى تقديم الأسباب التي تقنع القارئ
باقتناء الكتاب, وهي: أهمية موضوعه, جِدّته أو مطابقته للتقاليد, وحدته( وحدة
المنهج, الموضوع, الشكل, الغاية) إذا كان الكتاب مجموعة من القصص أو الأبحاث"[45].
ونرى يوسف إدريس يقول عن الكاتب محاولة منه لتقديمه إلى الكتاب والحركات النقدية
" إني لشديد الاعتزاز بصنع الله الفنان, وسعيد حقيقة وأنا أحسّ أنه قد آن
الأوان لتقرأه الحركة الفنية والأدبية في كتاب كامل في قصة من أجمل ما قرأته باللغة العربية خلال
السنوات القليلة الماضية"[46].إلا
أن يوسف إدريس, وعلى الرغم من الاحتفاء بصنع الله إبراهيم كان لزاماً عليه أن يشير
إلى الأخطاء النحوية واللغوية الواردة في تلك الطبعة, حتى من باب النصح والتنبيه
عليه. ولكن, وعلى الرغم من ذلك, فإن يوسف
إدريس قد اندهش بتلك الموهبة ونحَّى من نقده أو تقديمة مشكلة الأخطاء؛ ليكون ذلك
دافعاً للكاتب, في الوقت الذي كان الكاتب في بداياته, ولا بد أن يستفيد الكتاب من
هذه المقدمة في ألا يجعلوا كل همهم تكسير عظم الناشئ حتى يعطى فرصة, ولا يمنع من
نصحه في بداية الأمر.
لقد
أطلق يوسف إدريس على صنع الله إبراهيم اسم" ديستوفيسكي"؛ لأن صنع الله
كان يكتب بطريقة فياضة واسعة يقول يوسف إدريس " أسماء كثيرة أطلقتها عليه أول
ما عرفته سميته داستايوفسكي أو كما تعودنا تسميته دوستيوفسكي فقد كان يكتب بطريقة
منسابة فياضة تحس أن وراءها نبعاً لا ينضب"[47].
وهو بذلك يشير إلى موهبة جامحة وخيال متقد حين يقارن صنع الله بتلك الشخصية أو
يقوم بتسميته بها, فالكل يعرف من هو ديستوفسكي, صاحب الأخوة كرامازوف " فإذا
كان صنع الله وهو في بدايته يشبه ديستوفيسكي, فإن الأمر أصبح واضحاً للجميع
وبشهادة يوسف إدريس أن هذا الشاب الثلاثيني, الذي يكتب بروح ابن العشرين قادر على
أن يتجاوز كل الخطوط من خلال تلك الموهبة الجامحة, والتي بدأها بهذه المجموعة التي
تعتبر صفعة أو صرخة أو آهة مدوية في تاريخ الأدب والسياسة, وتناول أولئك أصحاب
الطابور الخامس.
إن
المشكلة التي تبدو في المقدمة هي أن هناك من يرفض في الأساس أن تكون هناك مقدمة
للأعمال؛ حتى يقرأ المتلقي الرواية أو القصة بأكملها؛ لأنه قد يكتفي بالمقدمة دون
إكمال العمل, ومن هنا نادى بحذف المقدمة من الأعمال الروائية نحو جاك دريدا j.derrida , فقد
وصف المقدمة الأدبية بأنها " نصّ كاذب وهمي حول الرواية, لأن ميزة العمل
الروائي هي تعدد المعاني والأصوات والأبعاد الدلالية, ورأى أن النصّ لا يكون
نصَّاً إلا إذا أخفى طريقة تأليفه وقاعدة تلاعبه عن النظرة العابرة والقارئ
المتعجل؛ فالنصُ غير منظور ويصعب إدراكه. واعتبر كلَّ المقدمات غير ملائمة للنص
الذي تقدّمه"[48].
وبالتالي وحسب هذا المنظور فإن " النص حسب دريدا , ليس بنص ما لم يخف منذ
الوهلة الأولى أسلحته الفنية وثيماته الأساسية وقوانين تكوينه, وقواعد لعبته, إذ
يغدو الأثر الأدبي, من هذا المنظور عبارة عن فراغات ومساحات بيضاء ونقط غامضة,
تحتاج من بين ما تحتاجه حرقة في الوصول إلى جوهرها" [49]
. وعلى الرغم من أن دريدا منظراً ذا ثقل إلا أن هذا الرأي قد جانبه الصواب؛ ذلك أن
المقدمة هي تفعيل للعمل نفسه وقد تكون باعثاً للقراءة إذا ما كان فيها عنصر
الإثارة, فضلاً عن أن الكاتب المبتدئ مثل صنع الله في هذه الحالة وفي هذا الوقت لم
يعرفه أحد إلا من خلال ذلك التقديم الذي خصه يوسف إدريس, فأصبحت المقدمة هي الحافز
عند المتلقي لقراءة العمل, وهذا إذا ما كانت مقدمة غيرية كما هو الحال هنا بينما
لو أن المقدمة ذاتية فإن الأمر يتطلب, النظر في ثقافة الكاتب نفسه, وهل من الممكن
أن يستطيع المتلقي أخذ بعض النقاط الأولية عن العمل من خلال المقدمة أم لا ؟ وهل
من الممكن أن أحكم على العمل من بدايته أم لا ؟ وهناك أسئلة أخرى كثيرة يمكن أن
تطرح في مثل هذه الحالة كما سنرى.
لقد
عرّف يوسف إدريس المتلقي بصنع الله إبراهيم, ليس ذلك فحسب, بل أقرَّ له بالموهبة
حين قال "ولكني حين انتهيت( من القراءة ) أحسست أني لست فقط أمام فنان عاد
ولكن أمام موهبة جديدة, وكأنما ولدتْ في الغيبة, والغريب أنه بالقدر الذي كانت
تبدو فيه موهبته الأولى أكبر من سنه بكثير, تكاد تكون ضعف سنه, هذه المرة وجدت
الشاب الذي أوشك على الثلاثين يكتب بروح ابن عشرين, دافئ التجربة طازج
الإحساس"[50].
وهي شهادة عاش عليها صنع الله سنوات طويلة محتفياً بها, وبلا شك فقد أصبح صنع الله
رائداً من رواد الكتابة الأدبية, فهو يكتب حباً للكتابة.
علاقة المقدمة بتلك الرائحة :
تبدو
العلاقة بين هذه المقدمة والمجموعة في إبداع الكاتب نفسه, فحينما نطالع القصة
نلاحظ مدى مقدرة صنع الله إبراهيم على جذب المتلقي لقراءتها, وهو ما دعا يوسف
إدريس لتقديم هذه القصة, ونراه يقول في بداية العمل إشارة منه إلى الحالة
السياسية" قال الضابط: ما عنوانك؟ قلت: ليس لي عنوان. تطلع إليَّ في دهشة إلى
أين إذن ستذهب أو أين تقيم, قلت لا أعرف ليس لي أحد قال الضابط لا أستطيع أن أتركك
تذهب هكذا. قلت كنت أعيش بمفردي قال: لا بد أن أعرف مكانك لنذهب إليك كل
ليلة"[51].
إن
العلاقة بين المقدمة الغيرية والنص الأساسي هنا, هي علاقة تبيان للموهبة, فالكاتب
في بداية تلك الرائحة يعلمنا أنه كان في المعتقل وأنه مطارد من قبل الحكومة
والبوليس, ليس ذلك فحسب, بل إن الكاتب يجرنا ويشوقنا إلى إكمال قراءة العمل كما
حدث للأديب يوسف إدريس" والجدير بالملاحظة أن تلك الرائحة كتبت بعد تجربة صنع
الله إبراهيم التي تربو على خمس سنوات في السجن السياسي( يناير 1959- أبريل 1964)
وفيها العديد من القرائن التي توحي بكون هذه الرواية شبيهة بالسيرة الذاتية, حيث
تتماثل الشخصية والتي تظل بلا اسم في تلك الرواية مع شخصية المؤلف في الخروج من
السجن لمواجهة واقع جديد يدفع إلى الاغتراب"[52].
إلا أنه وعن جزئية أن هذه القصة سيرة ذاتية, فقد عمد صنع الله في مقدمته الأخيرة
تناول هذه الجزئية وسنأتي لها فيما بعد, وما يلاحظ أن عبدالمالك أشبهون يحاول
تحديد الهدف من " تلك الرائحة " والذي يكمن في تبيان الحالة السياسة
ومدى القهر والظلم اللذين وقعا على الناس في هذه الفترة.
إن
العلاقة الرابطة بين المقدمة والمتن هي علاقة تعليمية سعى فيها يوسف إدريس إلى
إظهار مقدرة ذلك الأديب الناشئ, من جهة ومن جهة أخرى قدَّم لشخصيته, وكانت القصة
خير معبر عن فكرة يوسف إدريس, حيث نراها في حلة مغايرة عما سبقها من قصص قصيرة, من
خلال وضوح الفكرة لدرجة أننا من الممكن أن نشتم تلك الرائحة الكريهة مما ذكر فيها
مما يؤكد مقدرة صنع الله الأدبية. يقول " غادرت الفراش. وكان الليل لم ينته
بعد. وفتحت الباب وذهبت إلى الحمام. وانحنيت على صنبور الماء فشربت ثم أغلقت
الصنبور. واكتشفت أن أرض الحمام غارقة في الماء. وعدت إلى حجرتي. وكان هناك أصبع
موز على المكتب فتناولته ونزعت قشرته ثم أكلته ووضعت القشرة على المكتب"[53]
ومن ثم فقد ارتبطت فكرة التقديم مع العنوان والمقدمة التي استهلها يوسف إدريس.
ويقوم صنع الله بعد ذلك بوضع مقدمتين ذاتيتين
لهذه القصة, الأولى عام 1986 والثانية عام 2003.
مقدمة صنع الله إبراهيم لتلك الرائحة 1986.
عنون
صنع الله إبراهيم تقديمه لهذه القصة بعبارة " على سبيل التقديم " ويبدأه
بما دار بينه وبين الأديب الكبير يحي حقي عن النقد الذي وجهه يحي حقي لروايته
الأولى تلك الرائحة, بعد أن نشرت أول مرة في فبراير وصودرت1966. فصنع الله يقر
بأنها رواية ولكن الكل يجمع على اعتبار أنها قصة, وذلك لصغر حجمها, أما النقد الذي
وجهه يحي حقي فإنه نقد لاذع.
وظيفة هذه المقدمة :
تكمن
وظيفة تلك المقدمة في عرض بعض ما كان يختلج في قلب صنع الله إبراهيم؛ ذلك أن
المقدمة الذاتية تسعى من أجل طرح الأسباب التي كانت هي الدافع لكتابة القصة؛ لذلك
فقد " ظلت بعض جوانب النص الروائي بمنأى عن التداول النقدي من قبل الدارسين
العرب, ومن ضمن هذه الجوانب: الخطاب التقديمي في الرواية العربية. فقد كان الناقد
العربي إما جاهلاً بقيمة هذه المقدمات, وإما متجاهلاً إياها, وإما يجعلها تنصهر في
إطار دراسة المتن بصفة عامة"[54],
ومن هنا فإن المقدمة الذاتية التي طرحها صنع الله إبراهيم هي تبيان أهمية الخطاب
المقدماتي, فحين يطرح نقد يحي حقي لقصته فهو بذلك يسعى لمقاربة قصته, الأمر الذي
يعد من أهم وظائف المقدمة التي تشرح لماذا وكيف ؟. أي لماذا القصة وكيف تكون, ومن
هنا فهو يشرح المغزى الأساسي من المقدمة. وأهم ما طرحه صنع الله فيها هو أسباب
مصادرة الطبعة الأولى لقصة تلك الرائحة, ساعياً من وراء ذلك لطرح ما عاناه في
حياته. يقول في ذلك " وهذا ما حدث مع كتابي. فلم تكد طباعته تنتهي حتى صدر
الأمر بمصادرته. ولا أذكر إذا كنت قد استدعيت إلى مكتب رئيس الرقابة أو أني ذهبت
بنفسي شاكياً"[55].
وهو بذلك يعطي المتلقي إشارة إلى أهمية تلك القصة, من خلال أن المتلقي قادر على
فهم تلك الأسباب والتي أدت إلى حجب قصته, الأمر نفسه الذي يجعل من لم يقرأها يسارع
من أجل القراءة. فالمقدمة تبرهن على قدرة الكاتب على إيصال هدفه للمتلقي, وما دام
أنه يسعى من أجل تلك الجزئية فإنه يسعى في الوقت ذاته إلى إعلام المتلقي بما كان
يحدث منذ ستة وأربعين عاماً تقريبا, يقول الكاتب في المقدمة " لكن أغلب
الكتاب والصحفيين لم يصلهم نبأ المصادرة في الوقت المناسب. فظهرت تعليقات عدة في
الصحف والمجلات, بينما كان الكتاب يرقد في مخازن وزارة الداخلية وكان الأستاذ يحي
حقي من الذين أهديتهم إحدى النسخ وكنت قد تعرفت إليه قبل شهر, عقب خروجي من السجن
في منتصف 1964"[56]
وهذا العهد قريب من عهد كتابة القصة؛ حيث كتب القصة في عام 1966.
ومن
هنا فإن وظيفة هذه المقدمة تكمن في تعريف المتلقي بأسباب المصادرة للقصة وبالنقد
الذي وجه إليها من قبل أحد الأدباء " والملاحظ أن الاهتمام بهذا النظام
المعرفي ليس غريباً على ميدان الدراسات الأدبية, بل إنه يشكل مبحثاً أساسياً في
مجال تحقيق النصوص"[57]
وهو ما يعرف بخطاب المقدمات, والذي نلاحظه في رغبة صنع الله في النهوض بالعمل
نفسه, وبيان أهميته.
علاقة هذه المقدمة
بالمتن:
من
الملاحظ أن هذه المقدمة قد ارتبطت بالمتن من ناحية اشتغالها على عنصر المصادرة
بحكم أن العمل يتناول إسقاطات معاصرة على النظام السياسي وما كان قد حدث لهذه
القصة عند طباعتها, وهو ما تكرر ذكره من قبل, ولكن وفي هذه المرة يدلل على ما ذكره
من خلال عدة نقاط , أولها حين علم رئيس تحرير روزا ليوسف أحمد الحمر وش
بمصادرة الكتاب أسرع بالاتصال بالمطبعة لعدم نشر تعليقه على القصة تحت عنوان"
لغة العصر " يقول صنع الله " وعندما أبلغته بنبأ المصادرة ظهرت عليه
المباغتة, ورفع سماعة التلفون واتصل بقريبة الأستاذ حمدي حافظ في مصلحة
الاستعلامات, فاستمع إليه برهة, ودون أن يعيد السماعة إلى مكانها اتصل بمطبعة
المجلة وطلب شطب مقاله عن الرواية"[58].
وهذا الأمر ما نعنيه في ثانياً وله علاقة بالقصة من ناحية الإسقاطات الموجودة بها
على الواقع السياسي والذي عاشه صنع الله؛ سواء أكان الواقع الداخلي أم الخارجي,
فكل ما دون فيها يعبر عن معاناة إنسانية كانت هي الدافع والمحرك لبؤرة شعوره
وإحساساته فلولا الاعتقال والتعذيب الذي ناله حتى بعد خروجه لما توهجت موهبته
الأدبية وتفجرت دماً على صفحات الأدب, فهو يعتز بأنه من جيل الستينيات, ذلك الجيل
الذي عايش الواقع الداخلي للحياة إبان حكم عبد الناصر والواقع الخارجي حينما كان
هناك توازن للقوى العظمى والتي كان لها أكبر الأثر في الإبداع نفسه, يقول "
كانت السنوات الأولى من الستينات بالغة الخصب, في السياسة والفن والحياة. كانت
فترة الصعود لطبقة متوسطة فنياً في مصر وبلدان العالم الثالث أمكنها أن تكيل ضربات
قاصمة للاستعمار القديم المتهاوي, مستفيدة من توازن عالمي ملائم للقوى"[59].
وهنا نرى رؤية صنع الله وقد تعدت الحدود الفاصلة بين العالم ليرسل عدة رسائل, يأتي
على رأسها أن جيل الستينات كان محظوظاً لإيجاد المناخ المناسب للإبداع, وهو ما
يبرهن على الواقع الذي لمسناه, فجمال الغيطاني ويوسف القعيد وحلمي التوني ( كفنان
) وبهاء طاهر, وصنع الله إبراهيم وغيرهم هم من هذا الجيل ونحن الآن نحتفي بإنتاجهم
جميعاً لنستفيد من تلك التجارب, فهو جيل وبحق يستحق كل التقدير. وفي اعتقادي أن
هذه التسمية أصوب من تسمية جيل الشباب, فمن هم شباب الآن شيوخاً في المستقبل, لذلك
فالمصطلح الذي يدوم أكثر هو بالتأكيد الأفضل, ويظهر بعد ذلك جيل الثمانينيات
والتسعينيات.... حتى يأخذ كل فنان أو أديب حقه في عصره وبعد عصره.
لكل
ذلك فإن ما سطره صنع الله إبراهيم في روايته مرتبط بما دونه في المقدمة, والتي
انطوت على رؤيته الأدبية لمجموع الأحداث التي عاشتها مصر إبان حكم عبد الناصر, وهو
أيضاً ما يبعث بإشارات إلى عصر الرئيس السابق حسني مبارك بحكم أن هذه المقدمة كتبت
في عهده وكان عهده أسوداً على الأدباء والمبدعين, وهكذا كان الحكام الطغاة, فهم لا
يريدون لأي نابغ أن يظهر وإلا فإنه سيسرق منه الأضواء. ومن هنا كان التمرد من قبل
صنع الله إبراهيم والذي أبى أن يقبل جائزة الدولة له؛ لأنه صاحب مبدأ يسير عليه,
ولم يكن التمرد لدى صنع الله فقط, بل كان التمرد سمة من سمات هذا الجيل الذي حقق
لمصر ما لم يتحقق منذ عهد محمد علي باشا؛ حيث كان الأدباء وكتاب الرواية والقصة
القصيرة مطلعين على الآداب الغربية, وخاصة الأدب الفرنسي؛ حيث كانت هناك موجة
عارمة للرواية الفرنسية الجديدة.
المقدمة الأخيرة لمجموعة " تلك الرائحة " للكاتب
صنع الله إبراهيم[60]
وظيفة هذه المقدمة:
من
المعروف أن كل المقدمات المتتالية لعمل
أدبي واحد, ما هي إلا إضافة ما نقص في المقدمات السابقة للعمل نفسه, و هو ما يدلل
على رغبة صنع الله في هذه المقدمة الأخيرة؛ حيث كتب صنع الله إبراهيم هذه المقدمة
للاحتفاء " تلك الرائحة " مع بداية الألفية الثالثة في عام 2003؛ وقد
تركت تلك القصة أثراً واضحاً لدى كتاب عصره, وليس أدل على ذلك من تقديم الدكتور
يوسف إدريس لها كما رأينا من قبل؛ حيث أشاد بتلك المجموعة, وقد أراد صنع الله
إبراهيم أن يضيف إليها بعض الشيء لما نتج عنها من أضرار ألمت به؛ خاصة لدى أهله
وعشيرته والذين اعتبروها سيرة ذاتية له من خلال استخدامه لتاء الفاعل, الأمر الذي
جعله يشحذ قلمه الحاد ليكتب هذه المقدمة, وليبين أنها ليست سيرة ذاتية, بل هي تمرد
وتعبير عن الحالة السياسية التي كان يحياها آنذاك, ولما تعرض له من تعذيب.
والكاتب
الذي يقوم بكتابة مقدمة جديدة لرواية قد كتبها منذ سنوات هو من أجل إضافة جديدة ـ
كما قلت ـ للرواية أو القصة؛ بمعنى أن هناك شيئاً قد اكتشفه وأراد إدخاله, وهنا
يكمن جزء من وظائف المقدمة في تحديد الهدف من كتابة القصة في حالة طباعتها مرة
أخرى, أو عدة طبعات بعد الطبعة الأولى
" إن المقدمة, من منظور جونيط, عنصر نصي محاذ وداخلي (péritextuelle ),
وهي أيضاً إما أصلية ( originelle) " مواكبة للطبعة الأولى", أو لاحقة ( تصاحب الطبعة
الثانية )(ultérieure), أو متأخرة ( عادة ما تكتب بنفس الوصايا النقدية في مرحلة متأخرة
من عمر الكاتب) (tardive). هذه المقدمات يفترض أن يكتبها الكاتب ذاته" مقدمة
ذاتية" (auctorial), أو يكتبها غيره " مقدمة غيرية" (allograhe).[61]
وقد أظهرت
تلك المقدمة بعض الشجون التي ألمت بصنع الله إبراهيم منها ما هو خاص ومنها
ما هو عام, أما الخاص فهو ما انتابه من كره من قبل أهله الذين
اعتبروا أن ما جاء في تلك المجموعة هو سيرة ذاتية, وعلل ذلك بوجود نوع من الظلامية
أمام من يقرأ تلك المجموعة على أنها كذلك؛ وذلك ناتج عن عدم التدقيق فيما هو
مكتوب. الأمر الذي جعل بعضاً من أهله وذويه يعتقد أنه يتحدث عن نفسه وعن حياته
التي عاشها, إلا أنه رفض هذا الأمر معللاً أنه لم يكتب تلك الرائحة على أنها سيرة
ذاتية, ولكن العلة في استخدامه لصيغة المتكلم, كان مرده تأثره بكبار الكتاب
الفرنسيين الذين يكتبون على هذا النحو. أما العام فإنه يكمن في عدة أمور
يأتي على رأسها التحول الذي أحدثته اللغة العربية؛ ذلك أن هناك كتاباً كانت اللغة
هي قوام أعمالهم؛ حيث برزت مجموعة من أولئك المهتمين باللغة العربية وبكتاباتهم
التي ينشدون لها الفضيلة من خلال قواعد اللغة, وهو الأمر الذي أثار حفيظة صنع الله
إبراهيم؛ حيث وجد أخطاء كثيرة في تلك المجموعة القصصية, وقد اعترف بذلك محاولاً
تصحيح ما كان من أخطاء, بعد أن كان لا يلقي لها بالاً, وهو أمر يدل على يقظته وحسه
القومي قبل اللغوي .
أما
الشيء الثاني من تلك الأشياء العامة التي انطوت عليها المقدمة فهو علاقة التأثير
والتأثر بالآداب الأخرى, فصنع الله إبراهيم يعترف بأنه تأثر في كتابته لتلك
الرائحة برواية " ثلوج كلمنجارو " والتي كتبها أرنست همنجواي,
وقد تأثر برواية الطاعون لألبرت كامي في قصة " الثعبان
". ومن ثم فإن علاقة التأثير والتأثر مستمرة.
والشيء
الثالث الذي دلت عليه تلك المقدمة
الجديدة, هو وعي صنع الله إبراهيم بالتضمين والتناص؛ حيث كانت رؤيته واسعة في
تضمين بعض الوثائق الأدبية الأخرى, والتي هي خارج الرواية والقصة, عن طريق ذلك
التناص والتفاعل مع أشكال أخرى والتي منها قصيدة لشهدي عطية. وهو أمر يثري العمل
القصصي من ناحية التأكيد على جزئية يطرحها في تلك المجموعة, وهو ما أوضحه من قبل
يوسف إدريس في مقدمته للطبعة الأولى في أن هذه المجموعة ما هي إلا تعبير عن حالة
التمرد والتي سيطرت على العمل بأكمله, والتي عاشها صنع الله إبراهيم وما زال, وما
يؤكد تلك الجزئية رفضه مؤخراً لجائزة الرواية في مصر في الوقت الحاضر. كما ذكرت
سابقاً
علاقة هذه المقدمة الأخيرة بالرواية
إن
العلاقة التي تربط بين هذه المقدمة والعمل نفسه تكمن في أن المقدمة جاءت بعد سنوات
طويلة من نشر القصة نفسها, لتعلل أشياء وتنفي أشياء أخرى؛ فهي تقوم في الأساس على
عنصر الزمن الحاضر للخطاب المقدماتي من خلال فكرة التعالي النصي الذي يبحث عن مكان
يتوافق مع ما دون في المتن, فهو يتناص مع الفكرة نفسها. فإذا ما شاهدنا المقدمة
بما حوته من مبررات كتابتها, رداً على من يظلمون صنع الله, فإن الخطاب أصبح
مباشراً؛ ذلك أن المقدمة بطبيعتها خطاب مباشر, فتحت عنوان " على سبيل
التقديم" يرفع صنع الله الستار عن مسار الرواية في مواجهة سلطتين أساسيتين:
رقابة الدولة أولاً ثم المجتمع المدني ( والناشرون جزء منه) لا في مصر وحدها. بل
في العالم العربي بأكمله ثانياً. فهي مثال المقدمة المتقدة التي ارتأى صاحبها
التشديد على ظروف النشر بالدرجة الأولى"[62].
إن
التجربة التي عاشها الكاتب؛ سواء أكان بعد كتابة الرواية مباشرة أم في الأوقات
المتأخرة,هي تجربة حياة عالق الكاتب فيها بين الذاتي والموضوعي, الذاتي الذي يختص
به نفسه من خلال الشخصية الرئيسية التي ظلت طوال مراحل القصة بدون اسم وهو ما يبدو
منه الغياب التام لشخصيته التي تترجم الواقع المعيش آنذاك, قبل وبعد كتابة القصة.
إن المقدمة التي خلص إليها صنع الله هي خلاصة
فكره الموضوعي والذي سعى طوال حياته فيما بعد إلى الدفاع عنه فبعد رحلة المعتقل
التي عاشها صنع الله أصبحت الحياة متغيرة عما كان من ذي قبل, فهو أجمل في مقدمته
ما ذكره ضمناً في القصة وإذا ما فتحنا المعجم لندلل على هذا القول نجد أن معجم
المصطلحات العربية في اللغة والأدب قد فصّـل القول في لفظة المقدمة فهي "
الفصل الأول من كتاب يتناول بشيء من الإجمال الأُسس التي يقوم عليها الكتاب, والتي
بدونها لا يمكن أن يفهم تخطيط التأليف"[63].
فالمقدمة تحمل معنى الإجمال الذي يسبق التفصيل, وهو ما عناه هذا المعجم, ولم يقتصر
معجم المصطلحات العربية على هذا القول فيما يتعلق بالمقدمة, بل شرع في تبيان
معناها عند كلٍّ من ابن سينا فهي عنده" قول يوجب شيئاً أو يسلب شيئاً عن شيء,
وعند الجرجاني في تعريفاته تطلق المقدمة تارة على ما يتوقف عليه الأبحاث الآتية,
وتارة تُطلق على قضية جعلت جزء القياس, وتارة تطلق على ما يتوقف عليه صحة الدليل,
وقد يقصد بالمقدمةprolegomena مقال
طويل يقدم به المؤلف أهم المبادئ والمناهج التي سيقوم عليها مؤلفه فيما بعد"[64]
وجاء كذلك في معجم المصطلحات الأدبية, تعريفٌ للمقدمة يميل إلى الناحية الفلسفية
والمنطق الأرسطي من خلال المقدمات التي نصل من خلالها إلى نتائج فالمقدمة المنطقية
هي " قضية تدعم أو تساعد على تدعيم نتيجة معينة وهي افتراض أو أساس ينطلق منه
الاستدلال"[65].
ومن ثم, فإذا كان أحمد محمد ويس قد تناول قضية الانزياح وتعدد المصطلح· فإننا هنا نتلمس من خلال
تعريفات المقدمة العكس, فالمصطلح واحد وهو المقدمة ولكن التعريف يخضع لمنهج كل
كاتب؛ سواء أكان فلسفياً فهو يخضع للفلسفة أم منطقياً فإنه يخضع للمنطق, أم
اجتماعياً فإنه يخضع لعلم الاجتماع كما في مقدمة ابن خلدون..وهكذا. و يستنتج مما
سبق أن المقدمة هي أساس لأي عمل, وتأتي دائماً لتبيان الهدف والغاية من العمل
نفسه. ولكن وفي المقدمة الأخيرة التي نحن بصددها
يمكن للباحث أن يستنتج مجموعة نقاط مهمة من خلال تلك المقدمة وهي:
*
الاهتمام بقواعد اللغة العربية أمر ألح عليه صنع الله إبراهيم, بل كان في حالة ندم لما كان من أخطاء في
الطبعات السابقة.
*
علاقة التأثير والتأثر بين الشرق والغرب مازالت مستمرة حتى الآن وقد وضح ذلك من
خلال تأثره نفسه بكبار الأدباء الفرنسيين, مثل تأثره في قصة الثعبان بألبرت كامي
في رواية الطاعون, وفي قصة تلك الرائحة بثلوج كلمنجارو لأرنست همنجواي.
*
يعلل من خلال المقدمة لماذا استخدم تاء الفاعل دون غيرها من الضمائر رداً على ذويه
الذين اتهموه باتهامات كاذبة, دافع عن نفسه من خلال هذه المقدمة.
*
طبقاً لهذه المقدمة النقدية فالنص الروائي ما زال يجدد نفسه بقراءات أخرى متعددة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموعة (ليست كغيرها) للديدامونى
قراءة
فى سيمياء العنوان
الدكتور/
إبراهيم عبد العزيز
(1)
قدم
محمود الديدامونى للقراء مجموعته القصصية الثانية "ليست كغيرها"، ونال
عنها جائزة القصة القصيرة من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو كاتب متعدد المواهب
فهو يكتب الشعر والقصة القصيرة والرواية والدراسات النقدية، وأتيح لى أن أتابع
الكثير من هذا الإنتاج الأدبى عن قرب، وهو ما يدفعنى إلى أن أطرح مثل هذا التساؤل:
هل
قدم الكاتب فى هذه المجموعة عملاً مغايراً لما قدمه من أعمال قصصية سابقة؟ أعنى هل
قدم طرحاً جديداً فى تناوله لزاوية الرؤية ونماذج شخصياته وتوظيفه للغة وغيرها من
آليات السرد؟
الحقيقة
أن عنوان المجموعة "ليست كغيرها" هو الذى أوحى إلىّ بمثل هذا التساؤل،
وتجدر الإشارة ـ بداية ـ أن هذا العنوان يحمل إحدى عناوين قصصه والتى جاءت واسطة
العقد سبقتها عناوين (حصار، سرب عرضى، شتلات، ليتك، ملاحقة، حمى الطريق، الصفصافة)
وتلتها عناوين (من ثقب الباب، فوضى أصوات الحيوانات، ابتسامة الصباح، لماذا الآن،
الهروب إلى المعتقل، تحاول غزو وجهى، قصص قصيرة جداً).
وفى
تقديرى جاءت هذه المجموعة فى الإطار الفنى نفسه الذى قدمه الكاتب فى مجموعة
"أترانى أحيا حقاً" ورواية "واسمه المستحيل"، وهذا لا يعنى
التقليل من قيمة العمل المطروح لكن العكس هو الصحيح، غاية ما أريد قوله أن الكاتب
مازال فى إطار مرحلة فنية لها مجموعة من السمات لم يخرج منها، وأهم هذه السمات أن
شخصيات قصصه هى تلك النماذج الإنسانية التى يعرفها المتلقى وهو يربط بين ما يقرأه
وما يعيشه فى الحياة، فنموذج الأديب الذى يحاول أن يعيش بين الناس فيجد نفسه
مغترباً بينهم كما فى قصة (تحاول غزو وجهى)، أو نموذج الشاب الطموح الذى يفشل فى
تحقيق أحلامه على أرض الوطن فيهاجر إلى أرض أخرى كما فى قصة (سرب عرضى)، ونموذج
العجوز التى تحمل صورة من قيم الأجداد فى زمان لم يعد يعترف بمثل هذه القيم كما فى
قصته (فوضى أصوات الحيوانات)... إلخ.
والسمة
الثانية وهى ملازمة للأولى فى كتابات الديدامونى أن هذه النماذج الإنسانية تحمل ـ
دائماً ـ أسماء ذات دلالة رمزية تمثل جزءاً من مضمون الرسالة التى يريد الكاتب أن
ينقلها إلى المتلقى، فعندما يريد أن يبرز اختلاط الأنثى بالذكر بالصورة التى يفقد
معها كل منهما خصوصيته يختار لبطلة قصته "عصمت" وهو من الأسماء التى
يشترك فيها الذكور والإناث، ويبنى على هذا الاسم المفارقة فى قصته "حمى
الطريق"، يقول
-من
أنت؟
-رفيقة الحجرة.
-بل
هو رفيق يا سيدتى .. إن رفيقى علمت أنه يدعى "عصمت ماهر".
-وأنا
عصمت ماهر ـ افتح قالتها بحزم.
وكذلك
الشاب الذى يهاجر من الوطن الأم يعلن أنه لن يكون وحده بل سيكون معه "صابر
وصبرى وغريب" ولا يخفى دلالة هذه الأسماء فى مواجهة الواقع المرير، مع ملاحظة
انتشار لفظ الصبر ومشتقاته كأسماء للمواليد فى وقت المحن والشدائد بوصفه قيمة
إيجابية ضد نوائب الزمن(1).
وهو
ما يمكن أن نقوله عن (عامر وفايزة ونعمات وفهيمة) بالإضافة إلى المستدعى من
الموروث الشعبى الذى يصب فى الاتجاه نفسه (الشاطر حسن، أبوزيد الهلالى، سيد الضوى،
جابر).
أما
السمة الثالثة فهى بناء معظم إنتاجه الأدبى على محور رئيس هو "صراع
الأجيال"، وهو ما يمكن ملاحظته فى قصص شتلات وملاحقة وليست كغيرها ومن ثقب
الباب وفوضى أصوات الحيوانات وابتسامة الصباح وتحاول غزو وجهى. مع ضرورة الإشارة
إلى تنوع العلاقة بين الابن والأب والجد وسط هذا التعدد. فمثلاً قصة شتلات هناك
اتصال بين الآباء والأجداد لكن هذا الاتصال لا يستمر مع جيل الأبناء، يقول الراوى:
"لقد
زرع أبى داخل عقلى كل ما زرعه جدى فى عقله، الريح تقترب من العاصفة، ... تشتعل
الأيام البادرة فى عقلى، أقاومها وسط العاصفة يرمقنى أبى، يقفز نحوى... تدفعه بعنف
.. مددت إليه يدى لأجذبه .. تشابكت الأيدى .. علم مقصدى .. نهرنى محاولاً جذبى ..
رفضت العودة مندمجاً وسط العاصفة).
ومثلت
قصة ليست كغيرها صورة من صور تمرد الابن على الأب، ومثلت قصة من ثقب الباب صورة
أخرى للتمسك بجيل الجدود الذى بدأ ينزف لكنها صورة سلبية بموت الجدة، أما قصة
تحاول غزو وجهى فقد مثلت الصورة الإيجابية لهذا التمسك من خلال اتحاد الابن والجدة
لإعلاء فكرة القيمة المعنوية فى مقابل الأب الذى يعلى من القيمة المادية ثم يتراجع
عن ذلك.
أما
السمة الرابعة فى كتابات محمود الديدامونى فهى احتفاظه بمجموعة من الأكليشيهات أو
ما يسمى بالقوالب الجاهزة التى يستدعيها بصورة لافتة، حيث يمكنك أن تقرأ عبارة نحو
"ارتسمت على وجهه ابتسامة" مرات عديدة وإن تغيرت الصفة بعد ذلك واسعة،
حزينة... إلخ أو عبارة "تموج بالحركة والهسهسات" و "تغزو
أذنى" وبصفة عامة فإن العبارات التى تحمل معنى الانسحاب والغزو ـ بخاصة فى
هذه المجموعة كثيرة، فكل شىء قابل للانسحاب فهو ينسحب إلى نفسه وإلى النوم وإلى
البحر ومبتعداً عن غرفته وإلى حضن جدته وإلى طرقات الحياة ونحو الضحكات ...إلخ،
ومع الانسحاب يكون الغزو للأذن والوجه وغزو الهواجس والروائح والتساؤلات، وهى أمور
طرحت رؤية لجمالية المكان فى النص القصصى؛ أى إن له وظيفة فى النص الأدبى، لكن هل
حقق هذا الانحسار اللغوى فى عدد من القوالب الجاهزة وظيفة أيضاً؟!
السمة
الخامسة هى احتفاء الكاتب بنموذج الأقصوصة، وهى ظاهرة أفرد لها مجموعة من الكتاب
مجموعات قصصية قائمة بذاتها، وقد أجاد الكاتب فى مجموعتيه على السواء (أترانى أحيا
حقاً) و(ليست كغيرها) وزاوية الرؤية فى هذا النموذج دائماً خلاصة تجارب لعلاقة
الإنسان بالكون كما فى الأقصوصات الثلاث الأخيرة من مجموعة ليست كغيرها، أو علاقته
بالحيوان بوصفه أليفاً له كما فى أقصوصة (براءة) وهى لا تختلف كثيراً عن العلاقة
ذاتها فى قصة (ليست كغيرها)، أو فى علاقة الإنسان بمن حوله ممن يشاركونه الحياة
كما تمثلها الكاتب بوعى شديد فى أقصوصة (ثقب).
يمكن
القول ـ إذن ـ إن مجموعة "ليست كغيرها" هى كغيرها من كتابات الديدامونى،
لكنها فى الوقت ذاته تمثل وحدة نصية تبنى فى إطار مجموعة من المفارقات الدالة
وبرؤية محايدة للأشياء؛ أى إن الشىء الواحد يكتسب دلالته السلبية أو الإيجابية فى
سياقه، ونكتفى هنا بالإشارة إلى صورة (المولد) فقد وظفها الكاتب بوصفها طوق النجاة
فى تحقيق حلم البطل، يقول:
"أمسكت
غطاءين للأوانى فى كلتا يدى ورحت أخبطهما ببعضهما قائلاً فى جميع أرجاء المولد...
يا سيدنا عمر .. فك خنقة القمر. فك خنقة القمر يا سيدنا عمر" وربط الكاتب بين
الموروث الشعبى والوصف السردى لعلاقة الراوى البطل بالبدر، فى المقابل نجد أن صورة
المولد فى قصة (تحاول غزو وجهى) بوصفها عائقاً لتحقيق حلم البطل، وإن جاء البناء
الفنى لهذه القصة ضعيفاً للغاية، ففى الوقت الذى يحتفى فيه البطل بقصص جدته عن
الشاطر حسن وسيرة الأميرة ذات الهمة، نجد إغفالاً واضحاً لما يمكن أن تحدثه
الموالد فى إثراء تجربة هذا الطفل الذى يعيش بحكم العمل مع الوالد فى الموالد، بل
تأتى فى صورة تهكم كما يقول مثلاً (نلتقى دائماً فى الموالد) فى الوقت الذى يُعلى
فيه البطل من قيمة عم "سيد الضوى" وتكون موضع افتخار بين أقرانه؛ أعنى
أن الموروث الشفاهى من المولد هو الذى مدّه بما يكتب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وجـوه في المـاء الساخـن
للكاتب عبد الله تايه(دراسة سميائية)
د.
سعيد محمد الفيومي.
فلسطين _ غزة
مقدمة ..
يهدف
هذا البحث إلى الوقوف على سميائية الغلاف، والعنوان، والشخصيات، والزمان والمكان،
داخل رواية (وجوه في الماء الساخن) للكاتب الفلسطيني عبد الله تايه.ودور ذلك في
تشكيل الفضاء الروائي من خلال السميائيات السابقة. ولقد استخدم الباحث المنهج
السميائي، بغية الوقوف على فهم جديد للنص الأدبي وتأويلاته، والطريقة التي جسد من
خلالها الكاتب الثقافة السائدة في المجتمع الفلسطيني، والقواعد التي حكمت هذه
الثقافة، والكشف عن علامات دلالية غير مرئية داخل الواقعة المباشرة، من خلال
الالتقاط الضمني والمتواري خلف الأحداث.
مدخل:
لقد
شكلت السميائية منذ الخمسينات من القرن الماضي في المجال الأدبي خاصة، تياراً
فكرياً أثرى الآراء النقدية المعاصرة، وأمدها بأشكال جديدة بغية، فهم وتأويل النص
الأدبي في جميع أشكاله. فمع بداية القرن الماضي بشر عالم اللسانيات السويسري
(فردناند دوسوسير) بميلاد علم جديد، أطلق عليه اسم (السميولوجيا) مهمته هي:
"دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية"،(1) فالهدف من
هذا العلم كما هو واضح تزويدنا بمعرفة جديدة لفهمٍ أفضل عن الحياة الإنسانية في
جانبها الاجتماعي، وفي الوقت نفسه خرج الفيلسوف الأمريكي (شارل سندرس يورس) علينا
برؤية جديدة في التعاطي مع الشأن الإنساني، أطلق على هذه الرؤية اسم (السميائية)
وقد كان لهذين الرأيين رأي (دوسوسير) و(بورس)، أثر كبير على الوعي المعرفي وعلى
العلوم في مجملها، خاصة ما يتعلق منها بالآداب والفنون. فقد ساهمت هذه السميائية
في تجديد الوعي النقدي وتطويره، من خلال إعادة النظر في طريقة التعاطي مع قضايا
المعنى.
وهذه
الدراسة تتناول رواية (وجوه في الماء الساخن) (دراسة سميائية)، محاولة منا قراءة
هذا المنهج من خلال هذه الرواية وللوقوف على حدود الفضاء الروائي داخل هذه
الرواية.
صدرت
رواية (وجوه في الماء الساخن) للكاتب عبد الله تايه في طبعتها الأولى عام 1996م عن
اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وهذه الرواية تؤرخ للفترة التي سبقت الانتفاضة، وتتوزع
في أربع عشرة فقرة متسلسلة في بناء مرتب، وتطرح مجموعة من القضايا الاجتماعية
والسياسية. فهي تعالج قضية العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل فلسطين المحتلة
عام 1948م، ويعمل الكاتب على إظهار المعاناة التي يجدها العامل الفلسطيني منذ
اللحظة الأولى التي يبدأ فيها يوم العمل، حتى لحظة وصوله إلى عمله وأثناء عمله،
والعودة إلى البيت، ويعرض كذلك ما يواجهه هذا العامل من علاقة عنصرية قهرية من
صاحب العمل اليهودي، ويعرج الكاتب خلال الرواية إلى معالجة كثير من القضايا، منها:
طبيعة الشخصية اليهودية وتكوينها(الآخر) والقائمة على العنصرية، وبعد الهوة وعمقها
بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، ويبدو ذلك من خلال موقف عزرا وشيموئيلي.
إضافة إلى ذلك نجده يقدم مجموعة من المضامين ذات الأهداف التقدمية، كالإضراب الذي
أعلنه العمال الفلسطينيين ضد صاحب العمل اليهودي. وعلى الرغم من نتيجة هذا الإضراب
والتي كانت فصل مجموعة من العمال، إلا أنها كانت إشارة أولية لعملية الانتفاض وعدم
الخضوع لرب العمل اليهودي تماماً. إلا أن هذا الإضراب لم يستغرق طويلاً, وكان مبرر
ذلك هو العمل على المحافظة على لقمة العيش. ويعرض الكاتب لنا صورة أخرى للاستغلال
ممثلة في شخصية(أبو علي) ابن فلسطين (مقاول العمال الصبية). وينفتح النص الروائي
في كثير من مواقفه على شكل الحياة البائسة التي يعيشها الإنسان في أحياء مثل
الشجاعية ومخيم الشاطئ، ويصل أخيراً إلى الانتفاضة التي كانت نتاجاً طبيعياً
لتراكمات من القهر والاستغلال والمعاناة التي عاشها الفلسطيني طوال السنوات
الماضية, عندها يعرض الكاتب حلولاً للانفكاك من هذا الارتباط الاقتصادي مع العدو،
الذي يتيح له أشكالاً مختلفة من الاستغلال والقهر، فيستعيض إسماعيل العجماوي عن
عمله الذي فصل منه بمصنع الحياكة، أما صبري أبو شحادة فيفتح دكاناً لبيع الفواكه
والخضراوات في مخيم الشاطئ، بعد أن يحول إحدى غرف بيته دكاناً " تلمع في ذهنه
فكرة جيدة...." لماذا لا أبيع الخضر والفواكه في السوق؟ أهدم واجهة هذه
الحجرة المطلة على الشارع فتصبح الحجرة دكاناً ضمن دكاكين السوق أبيع فيها إلى أن
أعود إلى عملي، بعد انقضاء الإجازة، فإذا عدت تبيع فيها زوجتي الخضر، وإذا طردني
شموئيلي، أبيع فيها حتى أجد عملاً"(2).
عندما يقوم كاتب الرواية بتأليف روايته، يكون قد وضع نصب عينيه أهدافاً
ومقاصد خاصة يريد تحقيقها من خلال أحداث القصة، وشخصياتها وزمانها ومكانها، تتبلور
هذه المقاصد والأهداف حول رؤية الرواية وقضيتها العامة التي تعالجها الرواية. إلا
أننا لا نعدم أهدافاً أخرى تكمن في وعي الكاتب قد تتحقق في أشياء أخرى كاختيار
غلاف أو عنوان خاص للرواية، أو مسميات الشخصيات أو اختيار زمان خاص ومكان خاص لهذه
الرواية، هذا ما أردنا الوقوف عليه في بحثنا.
وهذا
البحث هو بعنوان(وجوه في الماء الساخن) للكاتب عبد الله تايه (دراسة سميائية).
ويدرس هذا البحث سميائية الغلاف وسميائية العنوان، وأين يلتقي الغلاف والعنوان مع
النص الروائي، ويدرس كذلك سميائية الشخصيات من خلال سميائية (الاسم) والوظيفة السردية
لهذه الشخصية ومدى ملاءمة سميائية الاسم مع هذه الوظيفة، وأخيراً سميائية الزمان
والمكان في الرواية، ودور هذه العناصر في تجسيد جزء كبير من وعي الكاتب، وتشكيل
الفضاء الروائي.
1.
سمياء العنوان:
لقد
اهتم علماء السمياء اهتماماً واسعاً بالعنوان في النصوص الأدبية، باعتباره علامة
إجرائية ناجحة في مقاربة النص بغية استقرائه وتأويله، فتحدث (رومان جاكبسون) عن
وظائف أساسية للعنوان هي: " المرجعية، والإفهامية والتناصية"(3). أما
(جينيت) فيحددها بأربع وظائف أساسية هي: الإغراء، والإيحاء، والوصف، والتيقن.
وعنها تتفرع وظائف أخرى تبعاً لجنس النص الأدبي"(4). أما (محمد مفتاح) فيرى
أن العنوان "يمدنا بزاد ثمين لتفكيك النص ودراسته فهو يقدم لنا معرفة كبرى
لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه ،إذ هو المحور الذي يتوالد ويتنامى ويعيد إنتاج
نفسه، وهو الذي يحدد هوية القصيدة فهو – إن صحت المشابهة – بمثابة الرأس للجسد،
والأساس الذي تبنى عليه"(5).
وإذ
نظرنا في المعنى المعجمي للفظة (عنوان) واشتقاقاته، نجد أن اللفظ مشتق من المعنى
والتفسير والتأويل، أي أن العنوان يفسر شيئاً ما، وإنه يحمل معنى الشيء، وإن عنونة
شيء بعينه تعد سمة هذا الشيء ومعناه ومقصده، وهذا
أشبه بما يسم وجوه الساجدين مكان أثر السجود،
قال تعالى: ﴿....سيماهم في وجوههم من أثر السجود﴾ (سورة الفتح–29)، مما يعني
تطابقاً بين المعنى اللغوي للعنوان والمعنى الاصطلاحي والدلالي.
نخلص
مما سبق إلى أن العنوان يعتبر مفتاحاً إجرائياً في التعامل مع النص الأدبي في
بعدية الدلالي والرمزي، وهو نواة مركز النص الأدبي، والموجه الرئيس للنص، ويعد
كذلك المرجعية الإحالية، ويتضمن غالباً أبعاداً إنتاجية، فهو دال إشاري، وإحالي،
يوحي عن قصدية المبدع أو المنتج، وأحياناً يبين بعضاً من أهدافه الأيديولوجية
والفنية، "وهو مفتاح أساسي يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة،
قصد استنطاقها وتأويلها"(6). وبالنظر في عنوان
الرواية (وجوه في الماء الساخن) نجد العنوان على صورته الحالية هو جملة اسمية،
والاسمية مسيطرة على كلمات العنوان، فقد أراد الكاتب أن يكون العنوان على هذه
الصورة التركيبية، لقوة الدلالة الاسمية من ناحية، ولأنها أشد تمكناً، وأخف على
الذوق السليم من الدلالة الفعلية من ناحية أخرى(7)، ومن الناحية الدلالية
أراد الكاتب بهذا العنوان أن يتلاءم مع القضية التي تعالجها الرواية، فالرواية
تدور حول معاناة مجموعة من العمال الذين يذهبون إلى أعمالهم للعمل داخل أحد
المصانع اليهودية، معاناة التعب والإرهاق في العمل، ومعاناة نفسية مع رب العمل
اليهودي، فالكاتب كان حريصاً على أن يكون العنوان متضمناً لمضمون الرواية وأفكارها
ورؤيتها، ليحقق بذلك التأثير على المتلقي. ويمكن تقسيم العنوان إلى فاصلتين هما
(وجوه – في الماء الساخن) فقد جعل الكاتب من (وجوه) فاصلة مستقلة لتحقق دفقة
شعورية لدى المتلقي، ويتم ذلك عند النطق بالفاصلة الثانية (في الماء الساخن).
إن
حروف هذا العنوان بفاصلتيه، يوحي بحركة صوتية رتيبة منتظمة تشيع في النفس شعوراً
واضحاً بالإحباط والألم والمعاناة، على الرغم من عدم تساوي الفواصل داخل العنوان،
فالفاصلة الثانية أطول من الأولى مما ساعد على ترسيخ المعنى الذي يضمنه الكاتب
عنوان الرواية، وهذا الترسيخ تم من خلال القيمة الدلالية للعنوان، وكذلك التقسيم
الصوتي المفصل.
لقد
أراد الكاتب لهذا العنوان على هذه الصورة التركيبية والدلالية أن يكتسب قيمة فكرية
ترجع إلى المعنى الذي يحمله هذا العنوان، والمرتبط بدوره بالمتن الروائي ارتباطاً
وصفياً، أي أنه يصف منذ البداية شخصيات الرواية – على الأقل الرئيسية منها – فكلمة
وجوه هي المحور الأساسي في توجيه رؤية القارئ هذا الاتجاه، فالعنوان - كما ذكرنا
من قبل - يولد لدينا إحساساً بالألم والإحباط والمعاناة، هذا الإحساس يتجسد في
كثير من شخصيات الرواية بحيث تجد ارتباطاً سياقياً واضحاً بين هذا العنوان
والأحداث التي تؤديها هذه الشخصيات، فنجد الكاتب يعمل على تشخيص مشاعر الألم
والإحباط من خلال هذه الشخصيات، حين يقول على لسان (إسماعيل العجماوي) "تعبت
عيناي من مراجعة الكشوف.... والأرقام الضخمة.... والإحصاءات، وتدقيق الفواتير، ومع
أول خطوة أخطوها في الزقاق يزداد شعوري بالتعب.... تضطرم في نفسي بواعث الغم
والنقمة، واستشعر ضياع نفسي وانقضاء أيام عمري متسارعة الخطى بين الدوسيهات
والأرقام.... أراوح في مكاني.... كلما زاد راتبي تباعدت الأسعار كثيراً"(8) فالكاتب هنا وعلى لسان
(إسماعيل) يدرج هذه المشاعر والأحاسيس ضمن سياق لغوي وانفعالي خاص، وأحياناً أخرى
يأتي بها الكاتب على شكل صفة من صفات هذه الشخصية "يخرج إسماعيل من ذاته....
يرفع إسماعيل العجماوي رأسه عالياً جهة الصوت..... ينتصب عزرا أمامه طويلاً....
عريضاً.... منفوخ الأوداج.... متأففاً.... ساخطاً.... يقف في مواجهة إسماعيل
متحدياً.... يهتف إسماعيل، وقد عبأته أفكاره بشحنة انفعالية: ممنوع أدخن سيجارة؟!(9) ومرة أخرى على شكل فعل
من أفعاله " يقذف إسماعيل العجماوي الصحيفة المطوية بدون عناية جانباً، يخلع
حذاءه الذي بدا مغبراً من تراب الزقاق، والمشوار الطويل عبر شارع عمر المختار....
ثم يجلس في انتظار الطعام"(10). إن مثل هذه الأفكار تتعلق بالعنوان وترتبط
سياقياً به، لذلك يمكن القول إن مضمون هذا العنوان (وجوه في الماء الساخن) طوى في
ثناياه كثيراً من المعاني والمفاهيم، والأحداث والرؤى داخل الرواية، وساهم في
تشكيل جزء كبير من الفضاء الروائي.
2. سمياء الغلاف:
بدأ كثير من الروائيين في العصر الحديث، ومع
تقدم الشكل الطباعي للغلاف، ومتن النص الأدبي، يتبارون في جماليات صورة الغلاف
ودلالاته، أو ما يسميه البعض بالعتبة الأولى للنص، ولعل صدور أعداد كبيرة في المدة
الأخيرة من الروايات، جعلت المتلقي يحاول أن يقرأ هذه اللوحة قراءة دلالية تحليلية
بوصفها – كما ذكرنا – العتبة الأولى التي يمكن من خلالها أن يقف على حدود النص
الروائي، فكثير من الروائيين يختارون غلافاً لروايتهم يتفق مع المتن بوصف هذا
المتن وصفاً مكتوباً، ويتقاطع هذا الغلاف مع متن الرواية في كثير من المواقف داخل
النص المكتوب.
وبناء على ما سبق كان لابد لهذه الصورة – صورة الغلاف – حتى تنتج دلالة
لابد لها من الانضواء ضمن نسق معين يمنح هذه الصورة القدرة على إنتاج الدلالة، على
اعتبار أن الصورة تعني تحويل التجربة الكتابية داخل العمل الروائي، إلى تجربة
بصرية. فإننا نجد " داخل اللوحة الفنية (لوحة الغلاف) مجموعة من الرسوم
والخطوط والألوان، قد يكون لكل رسم أو خط أو لون مدلوله الخاص، ويجب على هذه
الأنساق مجتمعة أن تخرج لنا دلالات ترتكز إلى خلفية ثقافية، وتعبر هذه الدلالات عن
تجربة واقعية داخل الرواية "(11).
(*)وبالنظر
إلى الصورة المصاحبة للغلاف في رواية (وجوه في الماء الساخن)، نجدها مرسومة داخل
شكل هندسي هو: مستطيل، والمستطيل له بعدان غير متساويين (الطول والعرض) فربما أراد
الكاتب أن يرمز لهذين البعدين على أنهما يمثلان نوعين من الشخصيات داخل الرواية،
الشخصية الفلسطينية، والشخصية اليهودية، وهما شخصيتان غير متساويتين ولا
متطابقتين، أما الزوايا الأربع المتساوية للشكل الهندسي (المستطيل) فيرمز بهما
الكاتب للبعد الإنساني والذي يتساوى عند البشر كلهم. أما الألوان المستخدمة، فقبل
الحديث عن الألوان، لابد لنا من أن نشير إلى أن اللون يبقى إدراكه مرتبطاً
بالثقافة. فاللون الأبيض عند شعب من الشعوب قد يكون دليلاً على الحزن، وعند شعب
آخر قد يكون دليلاً على الأمل والتفاؤل، مما يعني أن اللون لا يملك دلالة قارة أو
ساكنة فيه ومشتركة بين البشر جميعهم.
في
اللوحة مجموعة من الألوان الدالة، فقد استخدم الفنان اللون الأسود في تحديد
اللوحة، والذي قد يشير إلى الواقع المعيشي للفلسطينيين، واستخدم الفنان اللون
الأزرق والذي يشير إلى البرودة أو الماء أو السماء، والأصفر يشير إلى الشمس
والحرارة، وأحياناً إلى المرض والوهن، وهذه يعني أن هذه الألوان تلتقي مع العنوان
مباشرة، وقد كان اللون الأبيض سيد هذه الألوان، حيث غطى مساحة كبيرة من اللوحة
أرادها الفنان، ولعله أراد من وراء ذلك أن يميز الشخصية الفلسطينية بهذا اللون على
أنها شخصية قائمة على الصفاء والنقاء والبساطة، علي اعتبار أن الشخصية الفلسطينية
هي المسيطرة تماماً داخل النص الروائي.
أما
عن الخطوط والرسومات داخل اللوحة، فالخطوط بعضها مائل يصل إلى درجة (45ْ) مما يشير
إلى التعب، ورسوم المثلثات داخل اللوحة والدوائر، تشير إلى التراث الفلسطيني، وهي
متفرقة داخل اللوحة، مما يشير إلى الشتات الفلسطيني، وتقطيع أوصال الوطن، أو قد
تشير إلى وضع الحواجز بين مدن هذا الوطن، والدوائر تشير إلى العادات والتقاليد
السائدة في قرى فلسطين وبلداتها واختلاف هذه العادات والتقاليد من بلدة إلى بلدة.
أما
الرسوم الأخرى فهي تشبه في كثير من جوانبها كائناً بشرياً، لا يمكن أن نتردد في
القول ونحن نشاهد الرسم، من أن الأمر يتعلق بإنسان، فمجموع الخطوط تتشكل أخيراً
وتتآلف لتعطي الشكل البشري أو الشكل القريب منه، ولكننا لا نستطيع أن نحيل الرسم
إلى جنس أو لون أو حتى سن معينة، وهل الرسم لطفل أم فتاة أم شيخ أم شاب أم امرأة.
ولا نستطيع أن نستخرج منه بعض الصفات الخارجية كالطول أو القصر، أو لون الشعر، أو
شكل العيون، وكأن صاحب الرسم يكتفي من ذلك كله، بالتنسيق بين مجموعة من الخطوط كي
يؤكد لنا بأن الأمر يتعلق بكائن بشري، وليس بشجرة أو طائر. فالفنان بذلك يحاول
تبسيط الواقع من خلال استحضاره هذه النسخة البشرية التبسيطية، ليوحد بين بني
البشر، بغض النظر عن لونها أو عنصرها، فهو لا ينطلق في هذا الرسم من أي تعصب عنصري
أو غيره. وحركة اليد التي تبدو في الصورة، تكتسب حالة معينة يمكن تفسيرها على أنها
عملية كتم للصوت، مع تخبئة رأسه خوفاً من شيء ما، ويلتقي ذلك مع حالة الخوف التي
تسيطر على العامل الفلسطيني داخل النص، أما شكل الأقدام على صورتها العريضة
الراسخة في الأرض تحمل شعوراً واضحاً بالرسوخ في هذه الأرض وتعبر عن التحدي.
وتبقى هذه الحركات حركات كونية تعبر عن حالات – كما رأينا – وجدانية
إنسانية مسكونة، إلا أنه يبقى لها طابعها الثقافي والذي يعبر عنه الفنان من خلال
الصورة، ويعبر كذلك عن الطبيعة الثقافية لهذا الشعب، ويبدو تأثر الفنان واضحاً
بزمان ومكان الرواية التي تعالج قضية
الإنسان الفلسطيني العامل الذي يكد ويتعب من أجل كسب لقمة العيش المغموسة بالدم.
مما
سبق نخلص إلى أن الفنان أراد من وراء صورة الغلاف لهذه الرواية، أن يصور لنا حالة
سياسية وفكرية عبر عنها من خلال هذه اللوحة، لتلتقي مباشرة مع فكرة الرواية
وقضيتها، إضافة إلى أشياء أخرى حملت دلالات سياسية وفكرية مجاورة لفكرة الرواية
وقضيتها أيضاً. مما يعني اختزال جزء كبير من الفضاء الروائي داخل هذه اللوحة.ويبقى
تحليلنا لهذا الغلاف تحليلاً غير نهائي، ولا يمكن أن يكون كذلك في الأحوال جميعها.
إنه نتاج وجهة نظر معينة، أو هو نتاج فرضية مسبقة للقراءة، تنازلت فيها الخطوط
والأشكال والألوان، عن عمقها الفردي ليؤكد من خلالها الفنان على رسم غلاف يرتبط
بالنص ارتباطاً مباشراً.
3. سميائية الشخصيات:
نتحدث في هذه الفقرة عن سميائية الشخصيات من خلال سميائية الأسماء، والوظيفة
السردية لهذه الشخصيات، وبناء الشخصية الداخلي والخارجي. إن دراسة متأنية لسميائية
الشخصية يمكن أن يصبح محدداً أساسياً للمادة الحكائية، ولتلاحق الأحداث داخل
الرواية، وتصبح هذه الدلالات بذلك عنصراً فاعلاً في تطوير الرواية وبنائها، وفي
طبيعة الشخصيات وعلاقات بعضها بالبعض الآخر ودور ذلك كله في تشكيل الفضاء الروائي.
ونتناول كل شخصية على حده.
سنقسم هذه الشخصيات إلى نوعين، الشخصية الفلسطينية والشخصية اليهودية، ولن
نعرج في دراستنا لهذين النوعين من الشخصيات إلى الشخصيات الواردة في النص الروائي
كلها بل سنقصر الحديث على الشخصيات الأكثر دوراناً في الرواية، والأكثر تأثيراً
وتأثراً، وكذلك مدى دينامية هذه الشخصية ودورها في رسم هذه الأحداث.
§
أولاً: الشخصيات
الفلسطينية:
إن أول شخصية تطالعنا
في هذه الرواية هي شخصية (إسماعيل العجماوي) فقد بلغ تواتر هذه الشخصية داخل
الرواية أكثر من (111) مرة تقريباً، اختار الكاتب هذا الاسم لهذه الشخصية ليحمله
مجموعة من الدلالات المحددة، فنحن نعلم أن للتسمية في التراث العربي سمات ودلالات
تحدث عنها الجاحظ في أكثر من موضع(12).
ولا
أظن أن اختيار الكاتب لهذا الاسم (إسماعيل العجماوي) كان اختياراً عفوياً، بل عن
قصد، بحيث يشير من خلاله إلى دلالات معينة، فاسم (إسماعيل) له مكانته في التراث
الفكري العربي، هو أبو العرب، والعجماوي نسبة إلى أحد الأحياء القديمة في مدينة
يافا العربية الفلسطينية، على الساحل الفلسطيني، وستتضح سيميائية هذا الاسم أكثر
عند الحديث عن شخصية (شموئيلي) اليهودي فيما بعد.
إسماعيل هو موظف حكومي يعاني ما يعانيه الموظف من تدني الراتب الذي لا يكفي
حاجاته وحاجات أولاده، فيضطر للعمل داخل أحد المصانع في فلسطين المحتلة لعام
1984م، ويكون المسؤول عنه هو اليهودي عزرا وشموئيلي. والكاتب لا يركز كثيراً على
الصفات الخارجية لشخصية إسماعيل عند رسمه لهذه الشخصية. يصفه عند ذهابه إلى
الوظيفة بأنه يضع ربطة عنق، وعند ذهابه للعمل داخل الخط الأخضر، يلبس طاقية ويحمل
في يده صره كالعمال(13). فالكاتب يعي ما يريد،
إنه يرسم رسماً داخلياً لهذه الشخصية للوقوف على بنائها الداخلي، وغرضه من ذلك هو
بلورة مجموعة من الأحاسيس تكون شخصية إسماعيل مؤطراً لها فيما بعد.
يبدأ
الحديث عن إسماعيل، من خلال مونولوج داخلي كاشفاً عن ملامح ذاته وباطنه بصورة أكثر
جلاء. "تدور في ذهنه خواطر شتى.... تعبت عيناي من مراجعة الكشوف.... الأرقام
الضخمة.... الإحصاءات وتدقيق الفواتير، مع أول خطوة أخطوها في الزقاق يزداد شعوري
بالتعب.... تضطرم في نفسي بواعث الغم والنقمة، واستشعر ضياع نفسي...."(14). يستغل
الكاتب هذا الحوار الداخلي ليكشف عن أعماق شخصية (العجماوي) ويوضح خصائصها وما
تتميز به عن غيرها من شخصيات الرواية، لأن هذه الشخصية تتفرد عن غيرها من شخصيات
الرواية سواء في المكانة الاجتماعية أو المستوى الثقافي. والكاتب يريد أن يصرح منذ
البداية أنه سيروي قصة، وأن بين يديه خلاصة قصة طويلة يريد روايتها. وقد بدأ
الكاتب هذا الحوار الداخلي مع إسماعيل من خلال مشاعره الداخلية والتي تزداد كل يوم
لتتجه نحو حالة من الإحباط والألم، والمعاناة ".... كلما زاد راتبي قليلاً
تباعدت الأسعار كثيراً.... جنون متلاحق.... غصة متتابعة، المطالب تزداد والراتب
محدود...."(15). ويبدأ
تشكل إحساس الإحباط والمعاناة لدى إسماعيل فيلجأ الكاتب إلى رصد هذا الإحساس من
خلال أفعال إسماعيل، ...."يقذف إسماعيل العجماوي الصحيفة المطوية بدون عناية
جانباً، يخلع حذاءه الذي بدا مغبراً من تراب الزقاق...."(16). يشعر
(العجماوي) بإحباطات متتابعة نتيجة الخلل الذي يصيب ظروف الحياة من حوله، ومن ثم
إحباطاته القاسية والمتولدة عن التناقض بين ما يأمله، وبين ما يتاح له.
ويمكننا أن نحدد بعدين لإحساس الإحباط لدى شخصية إسماعيل، بعد ثابت يتمثل
في مفهوم الإحباط كإحساس، وبعد متغير أو متحول في أشكال هذا الإحباط، ويجعل الكاتب
في كل مرة شخصية إسماعيل مؤطراً لها، فلعل الكاتب أراد من شخصية إسماعيل، من خلال
سميائية الاسم، وسميائية الموقف، الذي أراده الكاتب لهذه الشخصية، أن يعبر من
خلالهما عن الإنسان الفلسطيني المثقف الذي عاش حالة من الإحباط بعد حرب 1967م
واستمرت هذه الحالة فيما بعد، فأراد من خلال هذه الشخصية أن يضعنا أمام مساءلة
الحياة، وشكل هذه الحياة التي نعيشها أو سنعيشها فيما بعد، والكاتب في المرات كلها
كان يركز في رسم هذه الشخصية على الملامح الداخلية أكثر من الخارجية، فحالة
الإحباط والإحساس به والعيش معه، كلها انفعالات لا تكاد تفارق شخصية (إسماعيل
العجماوي) في كل موقف سردي داخل الرواية.
الشخصية الثانية في هذه الرواية هي شخصية (صبري أبو شحادة)، وتعد هذه
الشخصية محور مهم من محاور الحدث الروائي فقد جعلها الكاتب مجالاً رحباً للدلالة
حيث يطرح من خلالها عدداً كبيراً من الأبعاد السميائية، وتعتبر هي وشخصية
(العجماوي) من الشخصيات ذات السيادة في الرواية ككل، وأعني بذلك تملكها لأزمة
تحريك الفكرة الدالة " فكثيراً ما تكون الشخصية هي العنصر الأهم في القصة،
ولهذا تكون المحور الذي تدور حوله، وكل ما يدور في القصة من أحداث، لابد من أن
يمسها من قريب أو من بعيد، ويؤثر في تكوينها بألوان جديدة، ويلقي الأضواء الجديدة
على مكامن أسرارها وأعماق أغوارها"(17) .
فمن
خلال تحليل البنية الدلالية للاسم، سنقف على كثير من الدلالات السميائية التي
يحملها هذا الاسم، وملاءمة الموقف السردي لها. (فصبري) تحمل في اللغة معنى الصبر
والتحمل، (وشحادة) تعني: التسول، وكأن الكاتب أراد من شخصية (صبري أبو شحادة) أن
تحمل دلالة تعبر عن حالة العامل الفلسطيني الذي عاش في هذه الفترة متسولاً العمل
عند صاحب العمل اليهودي، خاصة وأنه بعد حرب عام (1967م) وبالتحديد في أواخر
السبعينات، بدأت تتشكل طبقة كبيرة من العمال المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالاقتصاد
الإسرائيلي، وهذه الطبقة تمثل معظم العمال الفلسطينيين، وتمثل – كذلك- شريحة كبيرة
داخل المجتمع الفلسطيني.
بدأ
الفلسطيني يعيش نوعاً من المعاناة – تبدو خفية – وهي معاناة من نوع آخر لم يتعود
عليها من قبل، أصبح يواجه واقعاً جديداً لم يحدث من قبل، وهو: كيف يتحول العدو مع
هذا الواقع إلى صديق يعمل بجانبه أو على الأقل لم يعد عدواً فالكاتب يصور من خلال
(صبري أبو شحادة) هذه المعاناة التي كان يعيشها العامل الفلسطيني سواء أكان ذلك في
الوصول إلى العمل، أو العمل ذاته، أو أثناء العمل، فعلى الرغم من أن السبب الأساسي
لمعاناة (أبو شحادة) شكل العلاقات داخل المصنع، وطبيعة العمل، والوصول إليه، فإن
هناك أسباباً أقوى تأثيراً في النفس، والحياة بالنسبة لشخصية (أبو شحادة) يتعلق
ذلك بإحساس الخوف المسيطر عليه ، فهذا الإحساس يبدو واضحاً من خلال المواقف
السردية لـ (صبري أبوشحادة)، وكأن الكاتب يحاول أن يرصد حالة أخرى من التمزق
النفسي تعيشها هذه الشخصية وتسيطر عليها، وهو بذلك يرصد الملامح النفسية للإنسان
الفلسطيني في هذه المرحلة والتي مثلت جوهر الحالة الثقافية السائدة "طابور
طويل من العربات والحافلات عند نقطة التفتيش (إيرز) لم تشرق الشمس بعد، لكن الرؤية
بدأت بالوضوح.... يجلس صبري أبو شحادة صامتاً، يسحب أنفاساً من سيجارته وينفث
دخانها.... جو الحافلة يعبق بالدخان، تتحول الحافلة من الداخل إلى سيجارة كبيرة،
ومدخنين كثيرون...."(18).
"يخرج صبري أبو شحادة من عنده ومعه مجموعة من العمال، توجهوا إلى حيث
يجلس إسماعيل مع بعض العمال لتناول طعام الإفطار، .... يجلسون سوية لتناول الطعام،
في الوقت الذي لسعتهم نظرات بعض مسئولي العمل اليهود الذين لم يروا من قبل هذا
التجمع عند الإفطار........ والمهم أنهم بدأوا بالذهاب بتثاقل، تثور ثائرة
المسئولين ويهرولون وراء بعضهم البعض.... يهرع مدير المصنع ليستطلع الأمر وينظر
إليهم بقسوة وتحد:
-
مين رافض العمل؟
يرد عليه صبري أبو شحادة بحزم:
-
ولا واحد.(19)
يلجأ الكاتب لهذا الحوار ليعطي المواقف حيوية أكثر، ولو أطال لحقق الغرض
منه، ولكنه كان حواراً قصيراً أعطى الكاتب فرصة لتقليب الفكرة على وجوهها
المختلفة، مبيناً شكل العلاقة بين (الأنا) الفلسطيني، (والآخر) اليهودي، فعلى
الرغم من صغر هذا المقطع، إلا أنه كشف عن طبيعة شخصية اليهودي المستبدة والمتسلطة،
وفي الوقت نفسه مدى الخوف المسيطر على (أبو شحادة)، ويبدو ذلك واضحاً حين يرد (ولا
واحد) ويبدو ذلك أكثر وضوحاً حين يطرد (أبو شحادة) من العمل لمدة أسبوعين.
".... يخرج أبو شحادة غاضباً من عند (شموئيلي رابينوفتش) تنتهي في المساء
الوردية، فيتسلم أبو شحادة وعدد من العمال أوراقاً بالخروج في إجازة لمدة
أسبوعين..... طريق العودة طويل.... الدقائق تمر حزينة بطيئة.... يغتاظ أبو شحادة
كثيراً.... كل شيء يتهاوى أمام عينيه" (20).
وأخيراً يبلور الكاتب من خلال شخصية (صبري أبو
شحادة) رؤيته داخل الرواية حين يجعل (أبو شحادة) يبحث عن عمل بدلاً عن العمل
السابق، فيفتح دكاناً لبيع الخضار في سوق الشاطئ من خلال إحدى غرف منزله.
لقد
عمل الكاتب على أن يجعل من هاتين الشخصيتين تمثل عالماً خاصاً من عوالم العذاب
والألم والإحباط والخوف، والتمزق النفسي (العجماوي وأبو شحادة) وكل شخصية كذلك
تحول في أعماقها قدراً كثيراً من الآمال الذاتية، وهي في الوقت نفسه تسعى جاهدة
بشكل خاص أيضاً إلى محاولة تغيير واقعها، لكن مؤشر نجاحها أو إخفاقها بقي مرهوناً
بتطور الحدث، وأشكال العلاقات، ودلالات الفكرة لديه، ويتضح ذلك في نهاية الأحداث
"لماذا لا أبيع الخضر والفواكه في السوق؟ أهدم واجهة هذه الحجرة المطلة على
الشارع، فتصبح الحجرة دكاناً ضمن دكاكين السوق، أبيع فيها إلى أن أعود إلى عملي
بعد انقضاء الإجازة، فإذا عدت تبيع زوجتي فيها الخضر، وإذا طردني شموئيلي أبيع
فيها حتى أجد عملاً...." (21)
فالكاتب – كما نرى – من خلال العرض السابق لسلوك شخصية (أبو شحادة) ومن قبل
(العجماوي)، حين يعمل على توسيع فضاء الشخصية فيعمل على توظيف هذا السلوك سميائياً
حين يجعله سلوكاً عاماً، يعبر عن حالة عامة، وليس حالة خاصة، بهذه الشخصية، فلا
يمكن النظر إلى هذا السلوك، وهذه الحالة، بحرفيتها، أو على أنها حالة فردية، بل
يجب أن تدرك على أنها حالة إنسانية، هي حصيلة العلاقات داخل المجتمع الفلسطيني،
فإحساس الخوف الساكن والقار داخل (أبو شحادة) والإحباط داخل (العجماوي). عمل
الكاتب على إيجاد قواعد تحكمها في إنتاج هذه المشاعر، وهذه الأحاسيس، والسبب فيها،
وعمل على تجسيدها في أفعال وتصرفات كل من (أبو شحادة والعجماوي)، ومن ثم سحبها على
المجتمع، والذي بدت تتشكل – في تلك الفترة – علامات هذه الثقافة، ثقافة الخوف
والإحباط، والتي عبر عنها الفلسطيني فيما بعد من خلال تفجر الانتفاضة الفلسطينية
الأولى.
الشخصية الثالثة في هذه الرواية هي شخصية (أبو علي) التي تتواتر في الرواية
أكثر من (182) مرة، فكان لهذه الشخصية النصيب الأكبر في التواتر. (أبو علي) اسم في
الثقافة الفلسطينية يطلق على (الفتوات) في أحيان كثيرة، فالكاتب يومئ بهذه التسمية
إلى أن صاحبها يمثل طبقة من المستغلين للعمال الفلسطينيين (الأطفال) كما جاء في
الرواية.
إن
أهم دور أسنده الكاتب لهذه الشخصية هو دور صاحب العمل الذي يستغل أبناء جلدته من
الأطفال، لذلك نجده يواءم في رسمه لهذه الشخصية من الخارج مع أفعالها، حين يقول
على لسان (أبو درويش):(22)
-
شايف يا خميس هالملعون!!
-
الله لا يبارك له.... شوف هالكرش....
واللا هالرأس.
-
قول منفوخ نفخ.
-
منفوخ من دم العمال وعرقهم.
-
الله حلل الشغل وحرم الاستغلال.
-
وبيستغل مين!! أولاد حارته، وجيرانه
وأهله.
ويعمل الكاتب على توظيف هذه الشخصية بمدلولها
الاسمي، لأداء وظيفة سردية قائمة على الاستغلال، فهو حين يصف شخص (أبو علي) يقدم
لنا وصفاً دقيقاً لهذه الشخصية من داخلها من خلال تصرفاتها مع هؤلاء الأطفال، وهذه
النعوت غير مرتبطة بفضاء واحد (مكان العمل) بل كذلك مع أهل بيته حينما يحاول أن
يتزوج من (ثانية)، فقد ميز الكاتب هذه الشخصية بهذه الصفات، لذلك نجده يحيل لـ
(أبو علي) مجموعة من السلوكات الخاصة داخل النص الروائي، تعمل على رسم صورة كاملة
لهذه الشخصية المستغلة، وبذلك يكون الكاتب قد عمل على تحديد موقع هذه الفئة من
المستغلين بصورته السلبية داخل المجتمع الفلسطيني، والتي بدأت تظهر في سوق العمالة
الفلسطينية بالفعل.
ومن
الشخصيات المحورية في هذه الرواية شخصية (أبو درويش) فأبو درويش في التراث الفكري
والثقافي الفلسطيني يحمل مدلول الرجل الطيب، المحبوب كثير الود، ولعل الكاتب أراد
أن يحمل هذه الشخصية بمدلولها الاسمي الشخصية الفلسطينية، فيوسع من فضاء هذه
الشخصية، ويجسد لنا الشخصية الفلسطينية من خلال (أبو درويش) هذه الشخصية القائمة
على النقاء والصفاء، لذلك نجد الكاتب قد أعطى هذه الشخصية وظيفة اجتماعية،
وثقافية، وجعل من أبرز روافدها (الدين)، فكان من وقت لآخر يذكر كثيراً من الآيات
القرآنية على لسان أبو درويش "تتوقف عربة نقل العمال التي يمتلكها مقاول
العمال أبو علي جاد الله أمام المقهى.... يراه أبو درويش فيتلو بصوت منخفض ﴿ويل
لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدده....﴾"(23)
فالكاتب يجعل من سورة التكاثر منطلقاً لمجموعة من التميزات لكثير من
المفاهيم الساكنة داخل شخصية (أبو درويش)، وشخصية (أبو علي)، ورؤية كل منهما
القائمة أحدها على القناعة، والأخرى على الاستغلال، وبالتالي يجعل الكاتب ذلك
تميزاً واضحاً بين من يكسب ماله وقوته بعرقه، ومن يكسب من عرق الآخرين، بين
التعامل الوجداني الإنساني، والتعامل المادي، والكاتب يأتي بآيات القرآن الكريم
داخل السياق السردي لكثير من المواقف، يأتي بها مفصولة تماماً عن الزمان والمكان،
وما يربطها فقط، هو كثافة التجربة الإنسانية التي تعيشها شخصية (أبو درويش).
ومن
الشخصيات الفاعلة في هذه الرواية رغم قلة تواترها، كانت شخصية (سعده) زوجة إسماعيل
العجماوي، (سعده) تحمل معنى السعادة والطمأنينة، وفي الوقت نفسه أراد الكاتب من
(سعده) أن يبرز دور المرأة الفلسطينية الإيجابي، (فسعده) تقوم بحياكة الملابس
لتوفير حياة أفضل لزوجها وأولادها، ويعمل الكاتب على توسيع فضاء هذه الشخصية بحيث
يشمل ذلك المجتمع الفلسطيني،حين يجعل من أم محمود زوجة خميس الحداد شخصية نسوية
أخرى تقوم ببيع الترمس، وتساعد زوجة (أبو شحادة) زوجها في دكان الخضار.
§
ثانياً: الشخصيات
اليهودية:
مقابل الشخصية الفلسطينية، والتي سبق أن تحدثنا عنها، يقف الكاتب عند
شخصيتين يهوديتين يمثلان (الآخر) ويعمل من خلالهما على وضع السمات العامة لشخصية
الآخر وطريقة التعامل مع (الأنا) الفلسطينية، وأول هذه الشخصيات، شخصية (عزرا).
(عزرا) وفق ما جاء في السفر الذي يحمل اسمه، أراد ممارسة فكرة الاستعلاء اليهودية
بأعلى معانيها، وقد كان مشبعاً بالعنصرية التي تقوم على فكرة شعب الله المختار،
وهو الذي دعا إلى تنقية جنس بني إسرائيل، كما عد زواج اليهودي من الشعوب الأخرى
غير جنس بني إسرائيل، هو خروج عن الدين اليهودي، وقد جاء في السفر: " فقام
عزرا الكاهن، وقال لهم: إنكم تعديتم واتخذتم نساء غريبات لتزيدوا في إثم إسرائيل،
فاعترفوا الآن للرب، إله آبائكم، واعملوا على مرضاته، واعتزلوا أمم الأرض والنساء
الغريبات."(24)
الكاتب ينطلق من هذه الصفات التي تميز بها (عزرا) ليعطي هذه الشخصية وظيفة
سردية تتفق تماماً مع هذه الصفات، ويرسم لنا صورة واضحة لهذه الشخصية وتتفق الصفات
الخارجية مع الصفات الداخلية، فنجد (عزرا) ينظر نظرة احتقار للعامل العربي، هذه
النظرة قائمة على التعصب القومي الديني، " عزرا كوهين يضيق ذرعاً بي وبغيري
من العمال العرب وازداد امتعاضه بعد إصابة ابنه:
-
يا عمي انصرفوا من عندنا
-
يقولها مراراً.... وأقول له في كل مرة:
-
وانتم انصرفوا من عندنا
-
لا.... ما بننصرف من أي مكان.... إذا
خرجنا من أي مكان بيزيد العنف، والحرب" (25)
" يخرج من ذاته.... يرفع إسماعيل
العجماوي رأسه عالياً جهة الصوت.... ينتصب عزرا أمامه طويلاً.... عريضاً.... منفوخ
الأوداج.... متأففاً.... ساخطاًًً.... يقف في مواجهة إسماعيل متحدياً...."(26)
فالكاتب يعمل على رسم الملامح المادية لشخصية عزرا إضافة إلى أنه يغوص في
أعماق هذه الشخصية ليصف مشاعرها الداخلية، فيرسم عالمها الداخلي بقصد الوقوف على
عالم هذه الشخصية، ويؤكد بطريقة غير مباشرة موقفه من هذه الشخصية، في أن العداء
والتناقض بينه وبينهم سببه سلب الأرض وليس عداءً عنصرياً أو عقائدياً "وأنتم
انصرفوا من عندنا".
أما
الشخصية اليهودية الثانية التي تطالعنا في هذه الرواية فكانت شخصية (شموئيلي
رابينوفتش)، وشموئيلي تعني في العربية (إسماعيل) فقد أراد الكاتب أن يعقد مقارنة
ومفارقة في الوقت نفسه بين شخصية (إسماعيل) الفلسطينية وكنيته العجماوي – كما
ذكرنا- والعجمي هو أحد أحياء يافا القديمة والعريقة، مؤكداً بذلك انتماء إسماعيل
الفلسطيني، أما (شموئيلي) فكنيته (رابينوفتش)، وهو اسم بولندي ليؤكد غربته عن
المكان الذي يعيش فيه، فالكنية تتحول هنا إلى قرينة "ولكي نعلم لأي شيء تصلح
إشارة قرينة فينبغي الانتقال إلى مستوى أعلى "أفعال الشخصيات أو السرد"(27).
فالكاتب يصنع نوعاً من الجدل غير المباشر بين
(الأنا) الفلسطيني و(الآخر) اليهودي، ويحيل ذلك كله إلى خلق دلائل تكمن في وعي
الكاتب، تتضح هذه الرؤية من خلال أفعال كل من (إسماعيل) و (شموئيلي)، وربما كان
الناتج الصافي لرؤية أخرى يريدها الكاتب من وراء هذه الرواية، وهي ليست مفصولة عن
الرؤية العامة، لكن الكاتب استغل سميائية الاسم لينتج دلالات جديدة أرادها، وقد
عمق هذه الدلالات كذلك ببعض المواقف المجاورة حين يصف عمق الهوة بين اليهود
الشرقيين والغربيين، ويبدو ذلك واضحاً من كلام عزرا عن شموئيلي:
-
شموئيلي له أولاد على الحدود يا عزرا؟
-
يرد عليه عزراً مستهزءاً:
-
انت أهبل، اللي مثله أولاده في أمريكيا
-
إذن هو ما بيخاف على أولاده مثلي ومثلك.(28)
من خلال العرض السابق للشخصيات وتحليلنا لهذه
الشخصيات سميائياً، سواء أكان ذلك من خلال الاسم أو البناء الداخلي والخارجي
للشخصية، أو الدور السردي لهذه الشخصية، لاحظنا مجموعة من التقاطعات بين هذه
الشخصيات أضافت أبعاداً فكرية عميقة كانت ساكنة وقارة داخل وعي الكاتب، مما ساعد
في تجسيد فكرة الرواية ورؤيتها، وإعطائها أبعاداً أخرى.
4. سميائية الزمان والمكان:
يرتبط
الإطار الزماني والمكاني في الرواية ارتباطاً مباشراً برؤية الكاتب، والفكرة
الرئيسية لهذه الرواية. والزمان والمكان عادة ليسا مجردين، بل ينطويان على دلالات
فنية وموضوعية متعددة، فهما يجسدان المناخ الروائي الذي تتنفس فيه الشخصيات، وبناء
على ذلك فالزمان والمكان يعنيان الوسط الطبيعي للشخصيات وأخلاقها وصفاتها،
وأساليبها في الحياة. وهكذا يتجاوز الزمان والمكان وظيفته الدلالية بوصفها الزمان
والمكان لوقوع الأحداث إلى فضاء آخر يتسع لبنية الرواية، ويؤثر فيها، إضافة إلى ما
يحمله من دلالات سميائية. ومن يقرأ رواية (وجوه في الماء الساخن) فإنه يلاحظ أن
الكاتب يتجول في عدة أماكن ليناسب حركة الأحداث المختلفة، والتي تحتاج إلى أماكن
متعددة، فالحدث يمتاز بالانبساط، يتناول الكاتب فيه مجموعة من اللحظات الدرامية
لكل شخصية من الشخصيات التي تناولها، لذلك وجدنا مجموعة من الشخصيات تستقطب هذه
الأحداث في فترة زمنية ليست بالقصيرة وفي حيز مكاني متعدد. ويتداخل المكان والزمان
من أول الرواية تداخلاً واضحاً "يتفجر السكون العميق في المدينة ضجة وصخباً
قبل آذان الفجر، في ساحة الشجاعية" المحطة المؤقتة التي يندفع منها العمال
فجراً إلى أعمالهم في الداخل......................... يتثاءبون في محاولة لطرد
النوم والنعاس عن أجفانهم وعقولهم، تنتشر الأضواء في أعمدة النور، وفوانيس العربات
والحافلات، وينتشر الظلام في جوانب الساحة فتبدد الأضواء من الظلام ما استطاعت،
وتنير أجزاء من العشب الأخضر، ويبقى جزءاً آخر مختفياً في العتمة، في حين تسطع
الأنوار في فناء مركز شرطة المدينة. يتعالى نقير الأبواق.... تعلو الضجة وأصوات
احتكاك العجلات المطاطية بالأسفلت، يتردد نداء الباعة وأصوات سائقي العربات، كل
منهم ينادي.... يافا.... اسدود.... تل أبيب.... . (29).
فالكاتب يختار لحظة تعبر عن واقع المعاناة التي يعيشها هذا العامل، هي لحظة
ما قبل آذان الفجر، ليعمق من خلالها مدى هذه المعاناة، ويسيطر على هذه الفقرة –
كما باقي الرواية – الزمن الحاضر، الزمن النحوي الميقاتي، ولا يتغير على طول
الرواية، ليناسب زمن السرد، لأن الكاتب يصف لحظة معاشه لهذا العامل، ويحقق ذلك
تأثيراً واضحاً بين الزمان والمكان، ومصير هذه الشخصيات.
إن التصوير الدقيق من قبل الكاتب لساحة التاكسيات، وعلى هذه الصورة، بكل
تفاصيلها تعني اختراقاً للعلاقات الزمانية والمكانية، وعلاقتها بالحوادث ومنظور
الشخصية، ويلجأ إلى هذه التفاصيل لخلق امتدادات زمانية ومكانية أخرى في ذهن
القارئ، ما يعني أن الفضاء الروائي يتشكل في عدة أماكن وليس مكاناً واحداً.
إن
المكان ليس محض مكان موضوعي محايد، وإنما هو مكان روائي فني يعمل الكاتب من خلال
تفاعله مع الشخصيات أن يحمله مفاهيم جديدة، ورؤى أخرى.
"لماذا لا أبيع الخضر والفواكه في السوق؟!
أهدم واجهة هذه الغرفة المطلة على الشارع فتصبح الحجرة دكاناً ضمن دكاكين السوق،
أبيع فيها إلى أن أعود إلى عملي بعد انقضاء الإجازة"(30). يعمل الكاتب
هنا على ترسيخ مفهوم (البديل الشريف) في العمل بدل العمل السابق والمرتبط بالذل
والمهانة، ومن الملاحظ على الكاتب أنه يركز على زمن واحد – زمن الحاضر – في كثير
من المواقف، دون الأزمنة الأخرى، رافضاً التسلسل الزمني للأحداث، يعني أنه حاول
توظيف هذا الزمن بما يتناسب مع وعي الشخصية حين رتب الأشياء والأحداث حسب ورودها
إلى الذهن، حسب ترتيبها الخارجي والمرتبط بالزمن. إضافة إلى الزمن المتعلق بالحدث
نستطيع أن نميز مستوى آخر للزمن في هذه الرواية، هو الزمن (النفسي)، والذي تتداخل
في الأزمنة وتتقاطع، الحاضر والماضي والمستقبل، قد خرج عن الطريقة المباشرة في
السرد والقائم على التسلسل الزمني المعروف، فعلى الرغم من أن الشخصية عنده تتحرك
في الزمن الحاضر إلا أنها كانت تعود في بعض الأطوار إلى الوراء، إلى الماضي البعيد
طوراً والقريب طوراً آخر،" وأخيراً السنوات الخمس تمر سواء، كموت المريض صعبة
وبطيئة، أم كموت الاستشهاد سريعة ومريحة، ويتابع أبو شحادة بسخرية دائمة، "
تخرج من المعتقل الصغير من وراء الأسلاك، والجدران الباردة، والزنازين الضيقة،
والمردوانات المزدحمة، والرطوبة الدائمة، إلى المعتقل الكبير، في المخيم،
والمصنع، والحارة، هناك في المعتقل ترى
الأسلاك رأى العين.... فتنكمش أو تتمرد وراء الجدران.
أما هنا فالأسلاك داخلك.... تسكن فيك، تمشي على
قدميك.... تنتشر داخلك لا تفارقك.... لا مفر لك.... كل ما في الأمر أن عليك أن
تختار أن تكون داخل المعتقل الصغير أو أن تكون داخل المعتقل الكبير" (31)
فالزمن هنا يتسرب داخل الماضي ليروي لنا (صبري أبو شحادة) على لسان
(العجماوي) قصته مع السجن، ثم ينتقل إلى المستقبل ينتزع منه بعض الأحداث ليضعها في
حيز الحاضر، والحقيقة أن عدم التسلسل الزمني في مثل هذه المواقف يوقفنا الكاتب من
خلالها على بعض الجوانب الخفية في حياة كثير من شخصياته، فيحاول هنا (أبو شحادة)
استحضار هذا الماضي من حياته، لعله يستطيع به مواجهة الحاضر القاسي، فالكاتب يبغي
من خلال هذا الارتداد – والذي تكرر كثيراً في الرواية – أن يعرفنا على ماضي هذه
الشخصيات، أو على الأقل الوقوف على بعض المحطات الرئيسة في حياتها، وبالتالي تفسير
مواقفها إزاء الحاضر.
إن
تقاطعات الزمن التي عاشها (أبو شحادة) في هذه الفترة ساعدته على إبراز حالة
المعاناة التي عاشها ويعيشها، وكشفت بجلاء عن الماضي البطولي الذي عاشه، فهو يحاول
أن يهرب من أسى الحاضر، الزمن الأقل إلى الماضي الزمن الأكثر.
وعندما يتحدث الكاتب عن ساحة التاكسيات في غزة،
يتخذ المكان - من خلال هذه الفقرة – أبعاداً دلالية، فهذا المكان جزء من المدينة –
مدينة غزة – يوحي كما هو واضح من خلال وصف الكاتب بعدم الطمأنينة، كما أنه يغدو
رمزاً للمتغير، وشاهداً على نمط الحياة المعيشي لهؤلاء العمال، ويتضح ذلك أكثر حين
يتحدث الكاتب عن حال العمال أثناء عملهم في المصنع، أو لحظة العودة إلى بيوتهم
"منذ وصوله وهو يجرف أكوام العلب، يدعو في سره أن يحدث عطب في الآلة، أو
يتعرقل عمل الجرار، فلا يستجاب لدعائه،
ويدعو أن يحدث خلل في الكهرباء.... لكنها تشتد إنارة وقوة.... يتراكض جسده....
تتدافع أصابعه.... يداه.... تنسحب علب الكرتون الممتلئة ويحل محلها الفارغة، يبتل
جلده بالعرق.... ينفخ في تأفف وسخط إذ يجد من العسير عليه أن يواصل...."(32) فالمكان
(المصنع) يصبح على هذه الصورة طارداً للشخصية، وتنعدم به الشروط الطبيعية
والضرورية للحياة الكريمة، التي ينشدها أي إنسان، فالكاتب أراد من وراء ذلك أن
يحمل المكان دلالة نفسية أكثر من حالة واقعية. ويؤكد ذلك حين يختار لحظة العودة
إلى البيت "تقترب الحافلة من تقاطع الطرق المؤدية إلى مدينة المجدل، يخفض
السائق سرعتها بضغطات متتابعة على الكابح.... الإشارة الضوئية خضراء.... يواصل
السائق اندفاعه جهة الجنوب إلى غزة وتتأرجح رؤوس العمال نعاساً وتعباً.... يطبق
الصمت على كل شيء ولا يقطعه إلا صوت اندفاع محرك الحافلة في تواصل ورتابة.... أفتح
عيني بعد خمس عشرة دقيقة، يفاجئني الهدوء، وانقطاع صوت المحرك.... أنظر من
النافذة.... الأنوار الصفراء تغطي الساحة.... أين نحن؟ أفرك عيني.... آه حاجز
التفتيش عند (إيرز) ...."(33) . لقد صور الكاتب (ساحة التاكسيات) والمصنع - من
قبل -، ونقطة التفتيش (إيرز) ووصفها ضمن السياق – الزماني والمكاني – ليحرك مجموعة
من المعاني ذات الدلالة السميائية، فتدور جميعها في حقل المعاناة اليومي لهذا
العامل. والقارئ يلاحظ تأكيد الرواية الملح – في كل مرة – على العناصر المادية
والموحية بالتجدد بشكل لافت للانتباه، مما يحملنا إلى القول بأن الزمان والمكان
بكل تفاصليه السابقة يتخذ قيمة دلالية، فكأن هذه الأماكن – خاصة الساحة – وهؤلاء
الناس (العمال) مقبلون على حال أو عهد جديد، فالواقع المعيشي– على هذه الصورة– لا
يمكن أن يستمر، فكل لحظة من الزمن، وكل صورة من الأماكن التي ذكرها الكاتب، توحي
بحزم دلالية يجعلها شاهداً على معاناة هؤلاء العمال، فلا زمان للنوم عندهم، ولا
مكان للراحة الجسدية لهم.
وخلاصة القول فإن هذه الدراسة قدمت تحليلاً سميائياً لرواية (وجوه في الماء
الساخن). حاولنا أن نقف على بعض الجوانب الفكرية والقضايا الإنسانية والسياسية،
أرادها الكاتب، وكانت تكمن داخل وعيه، وتجسيد كثير من الانفعالات والأحاسيس
(الخوف، والإحباط، والمعاناة) من خلال سلوكات الشخصية، بحيث رسم لنا خارطة ثقافية
كاملة للمجتمع تبين شكل الثقافة السائدة في تلك المرحلة، فعلى الرغم من توافر
العمل، ونزول خط الفقر إلى أقل معدلاته، إلا أن الثقافة المسيطرة على المجتمع كانت
ثقافة الخوف والإحباط والمعاناة. وقد عمل الكاتب خلال عملية السرد أن يضع تقعيداً
لهذه الثقافة، أي أن يكشف عن مجموعة من القواعد التي حكمت إنتاج هذه الانفعالات،
والتي بدت تسود داخل المجتمع الفلسطيني في تلك الفترة، فأوقفنا على شكل الوعي
السائد داخل المجتمع الفلسطيني من خلال مجموعة من التساؤلات مرتبطة ارتباطاً
مباشراً بسلوكات الشخصية.
وقد
حاولنا خلال هذه الدراسة أن نكشف عن علاقات دلالية غير مرئية داخل الواقعة
المباشرة، فلم نكتف– على سبيل المثال– بدراسة الشخصية والوقوف فقط على البناء
الداخلي والخارجي ودور هذه الشخصية، ولم نقف عند تسمية الأشياء، والتعبير عن
مكونات المتن، بل تعدينا ذلك إلى التقاط بعض الضمني والمتواري خلف هذه الشخصيات،
وكذلك فعلنا مع عنصري الزمان والمكان والعنوان وصورة الغلاف، وعند كل عنصر وقفنا
على الأدوات التي استخدمها الكاتب لإنتاج الدلالة، ودور ذلك كله في تشكيل الفضاء
الروائي.
هوامش البحث:
(1)
سعيد بنكراد، السميائية (مفاهيمها وتطبيقاتها)، منشورات
الزمان، الرباط، 2003م، ص:1
(2) عبد الله تايه،
(رواية) وجوه في الماء الساخن، منشورات اتحاد الكتاب الفلسطيني، القدس، غزة، ط1،
1996م، ص:19 .
(3) عبد الرحمن
طنكول، خطاب الكتابة وكتابة الخطاب، في رواية (مجنون الألم)، مجلة كلية الآداب
والعلوم الإنسانية، فاس، العدد 9، 1987م، ص:135 .
(4) جميل حمداوي،
السميوطيقا والعنونة، عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،
مجلد5، العدد 3 (يناير، مارس)، 1997م، ص:98 – 99.
(5) محمد مفتاح،
دينامية النص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط1، 1987م، ص:72 .
(6)
جميل حمداوي، السميوطيقا والعنونة، ص:96
(7) محمد عويس
محمد، العنوان في الأدب العربي، النشأة والتطور، مكتبة الآنجلو المصرية، ط1،
1408هـ، 1987م،ص:27 .
(8)
عبد الله تايه، (رواية) وجوه في الماء الساخن، ص:4 .
(9)
المرجع نفسه، ص:29 .
(10)
المرجع نفسه، ص:5 .
(11)
سعيد بنكراد، السميائية (مفاهيمها وتطبيقاتها)،ص:35.
(12) الجاحظ،
الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي، بيروت، ج1، 1969م،ص:324.
(13)
عبد الله تايه، (رواية) وجوه في الماء الساخن، ص:110 .
(14)
المرجع نفسه، ص:4 .
(15)
المرجع نفسه، ص:4 .
(16)
المرجع نفسه، ص:6 .
(17)
محمد يوسف نجم، القصة في الأدب العربي الحديث، دار الثقافة،
بيروت، 1965م، ص:20.
(18)
عبد الله تايه، (رواية) وجوه في الماء الساخن، ص:91-92 .
(19)
المرجع نفسه، ص:96-97 .
(20)
المرجع نفسه، ص:101 .
(21)
المرجع نفسه، ص:109.
(22)
المرجع نفسه، ص:20 .
(23)
المرجع نفسه، ص:37 .
(24) الكتاب المقدس،
المركز العالمي للكتاب المقدس، جبل الزيتون، القدس، سفر عزرا، الإصحاح العاشر،
1986م، ص:753 .
(25)
عبد الله تايه، (رواية) وجوه في الماء الساخن، ص:107 .
(26)
المرجع نفسه، ص:28 .
(27) رولان بارت،
ترجمة حسن البحراوي، بشير القمري، عبد الحميد عقار، طرائق تحليل السرد الأدبي،
منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1992م، ص:27 .
(28)
عبد الله تايه، (رواية) وجوه في الماء الساخن، ص:108 .
(29)
المرجع نفسه، ص:1-2 .
(30)
المرجع نفسه، ص:28 .
(31)
المرجع نفسه، ص:73-74 .
(32)
المرجع نفسه، ص:26 .
(33)
المرجع نفسه ، ص:32-33 .
أ.مصادر البحث ومراجعه:
1.
الجاحظ، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب
العربي، بيروت، ج1، 1969م.
2.
الكتاب المقدس، المركز العالمي للكتاب المقدس، جبل الزيتون،
القدس، سفر عزرا، الإصحاح العاشر، 1986م.
3.
رولان بارت، ترجمة حسن البحراوي، بشير القمري، عبد الحميد
عقار، طرائق تحليل السرد الأدبي، منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1992م.
4.
سعيد بنكراد، السميائية (مفاهيمها وتطبيقاتها)، منشورات
الزمان، الرباط، 2003م.
5.
عبد الله تايه، (رواية) وجوه في الماء الساخن، منشورات اتحاد
الكتاب الفلسطيني، القدس، غزة، ط1، 1996م.
6.
محمد عويس محمد، العنوان في الأدب العربي، النشأة والتطور،
مكتبة الآنجلو المصرية، ط1، 1408هـ، 1987م.
7.
محمد مفتاح، دينامية النص، المركز الثقافي العربي، الدار
البيضاء، المغرب، ط1، 1987م.
8.
محمد يوسف نجم، القصة في الأدب العربي الحديث، دار الثقافة،
بيروت، 1965م.
ب. الدوريات:
1. جميل حمداوي،
السميوطيقا والعنونة، عالم الفكر، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،
مجلد5، العدد 3 (يناير، مارس)، 1997م.
2.
عبد الرحمن طنكول، خطاب الكتابة وكتابة الخطاب، في رواية (مجنون الألم)، مجلة كلية
الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، العدد 9، 1987م.
* لمعرفة ما ترمز له
هذه الخطوط والألوان، تم الاستعانة بأحد خريجي قسم التربية الفنية بجامعة الأقصى،
فلسطين، غزة.
سيميائية الخطاب الغلافي
في الرواية العربية
الدكتور جميل حمداوي المغرب العربي
u الغلاف عتبة ضرورية لفهم النص الإبداعي:
u الغلاف عتبة ضرورية لفهم النص الإبداعي:
يعتبر الخطاب الغلافي من أهم عناصر النص الموازي التي تساعدنا على فهم الأجناس
الأدبية بصفة عامة، والرواية بصفة خاصة ، وذلك على مستوى الدلالة والبناء والتشكيل
والمقصدية. ومن ثم، فإن الغلاف عتبة ضرورية للولوج إلى أعماق النص، قصد استكناه مضمونه ، ورصد أبعاده الفنية ،
واستخلاص نواحيه الإيديولوجية والجمالية. وبالتالي، فهو أول ما يواجه القارئ قبل
عملية القراءة، والتلذذ بالنص ؛ لأن الغلاف هو الذي يحيط بالنص الروائي، ويغلفه،
ويحميه، ويوضح بؤره الدلالية من خلال عنوان خارجي مركزي أوعبر عناوين فرعية، تترجم
لنا أطروحة الرواية أو مقصديتها أو تيمتها الدلالية العامة.
u
مكونات الخطاب الغلافي:
غالبا ما نجد على الغلاف الخارجي اسم الروائي، وعنوان روايته، وجنس الإبداع،
وحيثيات الطبع والنشر، علاوة على اللوحات التشكيلية، وكلمات الناشر أو المبدع أو
الناقد تزكي العمل، وتثمنه إيجابا وتقديما وترويجا. وبالتالي، فإن الغلاف الأدبي
والفني يشكل فضاء نصيا ودلاليا، لا يمكن الاستغناء عنه، وذلك لمدى أهميته في مقاربة الرواية مبنى وفحوى
ومنظورا.
هذا، وتدخل العناوين وأسماء المؤلفين وكل الإشارات الموجودة في الغلاف الأمامي
في:"تشكيل المظهر الخارجي للرواية، كما أن ترتيب واختيار مواقع كل هذه
الإشارات، لابد أن تكون له دلالة جمالية أو قيمية، فوضع الاسم في أعلى الصفحة، لا
يعطي الانطباع نفسه الذي يعطيه وضعه في الأسفل. ولذلك، غلب تقديم الأسماء في معظم
الكتب الصادرة حديثا في الأعلى، إلا أنه يصعب على الدوام ضبط التفسيرات الممكنة
وردود فعل القراء، وكذا ضبط نوعية التأثيرات الخفية التي يمكن أن يمارسها توزيع
المواقع في التشكيل الخارجي للرواية، إلا إذا قام الباحث بدراسة ميدانيــــة
"[66].
هذا، وإن للغلاف الخارجي للعمل الأدبي والفني واجهتين: أمامية وخلفية. فنستحضر
في الغلاف الأمامي اسم المبدع، والعنوان الخارجي، والتعيين الجنسي، والعنوان
الفرعي، وحيثيات النشر، والرسوم والصور التشكيلية. أما في ما يخص الغلاف الخلفي،
فنلفي الصورة الفوتوغرافية للمبدع، وحيثيات الطبع والنشر، وثمن المطبوع، ومقاطع من
النص للاستشهاد، أو شهادات إبداعية أو نقدية، أو كلمات للناشر.
ويطبع الغلاف الروائي هندسيا بأحجام مختلفة ومتنوعة: الحجم المتوسط ، والحجم
الكبير، والحجم الصغير (الحجم الجيبي)، وغالبا ما يتخذ النص الروائي حجما مستطيلا،
ويندر وجود حجم المربع في إخراج النص الروائـــي.
u الغلاف بين التشكيل التجريدي والتشكيل الواقعي:
يحمل الغلاف الخارجي أيقونات بصرية، وعلامات تصويرية وتشكيلية، ورسوما
كلاسيكية واقعية ورومانسية، وأشكالا تجريدية، ولوحات فنية لفنانين مرموقين في عالم
التشكيل البصري أو فن الرسم، بغية التأثير على المتلقي والقارئ المستهلك. ويعني
هذا أن الغلاف الخارجي للعمل يحمل رؤية لغوية ودلالة بصرية. ومن ثم، يتقاطع اللغوي
المجازي مع البصري التشكيلي في تدبيج الغلاف، وتشكيله ، وتبئيره، وتشفيره. ويتطلب
هذا الرسم التجريدي الذي تعج به الأغلفة التي تتصدر الأعمال الروائية: "خبرة
فنية عالية ومتطورة لدى المتلقي لإدراك بعض دلالاته، وكذا للربط بينه وبين النص،
وإن كانت مهمة تأويل هذه الرسوم التجريدية رهينة بذاتية المتلقي نفسه، فقد يكتشف
علاقات تماثل بين العنوان أو النص، عند قراءته له، وبين التشكيل التجريدي. وقد تظل
هذه العلاقة قائمة في ذهـــنــه.
وفي كلتا الحالتين، يقوم الرسم الواقعي والتجريدي معا، بالدور نفسه الذي يقوم
به الإشهار بالنسبة للسلع، وتنتهي وظيفة التشكيل الخارجي بالنسبة للناشر بلحظة
اقتناء الكتاب من طرف القارئ، غير أن المؤلف يفترض أن هذه الوظيفة تحافظ على
بقائها مع الكتاب على الدوام"[67].
u
سيمياء الخطاب الغلافي في الرواية العربية:
اتخذت الرواية العربية في مسارها الطباعي أغلفة ورقية وكارتونية عادية، وأغلفة
متطورة من الناحية التقنية والتشكيلية والصناعة الرقمية. كما اتخذت أيضا طابعا
لغويا وطابعا تشكيليا بصريا. أي: استعملت الرواية العربية الحديثة نوعين من
الغـــلاف، وهما:
1- غلاف يطبعه التشكيل الفنـــي.
2- غلاف يطبعه الفراغ التشكيلي (رواية " زينب" لمحمد حسين
هيكل مثلا ).
أما التشكيل الغلافي، فقد اتخذ بدوره طابعين: غلاف بتشكيل واقعي، وغلاف بتشكيل
تجريدي مع موجة التجريب والتجديد في الرواية العربية المعاصرة.
ولقد تحدثنا عن التشكيل التجريدي الذي يتربع على الغلاف الخارجي في شكل علامات
وألوان وأشكال هندسية مجردة عن الحس والواقع ، والذي يحمل دلالات سيميائية مفتوحة
، وهو في حاجة ماسة إلى التفكيك والتأويل. أما التشكيل الواقعي فيشير بشكل
مباشر:" إلى أحداث القصة أو على الأقل إلى مشهد مجسد من هذه الأحداث، وعادة
ما يختار الرسام موقفا أساسيا في مجرى القصة، يتميز بالتأزيم الدرامي للحدث، ولا
يحتاج القارئ إلى كبير عناء في الربط بين النص والتشكيل بسبب دلالته المباشرة على
مضمون الرواية. ويبدو أن حضور هذه الرسوم الواقعية يقوم بوظيفة إذكاء خيال القارئ،
لكي يتمثل بعض وقائع القصة وكأنها تجري أمامه، وقد تحتوي صفحات الرواية الداخلية
على رسومات مماثلة، إما بموازاة كل فصل أو عند فصول بعينها، وتكون هذه الرسومات
الداخلية، عادة بالأبيض والأسود، بينما تستخدم الألوان المختلفة في التشكيل
الخارجي، وتعتبر روايات نجيب محفوظ مثلا نموذجيا لاستغلال الرسم الواقعي في تشكيل
فضاء النص بلوحات ذات طابع مشهدي"[68].
u الخطاب الغلافي وعتبة المؤلف:
من المعلوم أن أهم عتبة يحويها الغلاف الخارجي هو اسم المؤلف الذي يعين العمل
الأدبي، ويخصصه تمييزا وهوية، ويمنحه قيمة أدبية وثقافية، ويسفره في المكان والزمان، ويساعده على الترويج
والاستهلاك، ويجذب القارئ المتلقي. ويراد من تثبيت اسم المؤلف العائلي والشخصي
تخليده في ذاكرة القارئ. وإن اسم أي مؤلف على الغلاف، لا يعدو كونه ركاما من
"الحروف الميتة"، " فحين يرتقي اسم المؤلف إلى مستوى النص، فإنه
ينتعش ويتحرك، ويهب نفسه بحق للقراءة، أما حين يقتصر وجوده على الغلاف، فلا يكون
موضوع قراءة، بل علامة على أن المؤلف مشهور أو شبه معروف أو مجهول"[69].
وتطرح عتبة المؤلف إشكاليات منهجية ومعرفية متعددة، كما يرى فيليب لوجون -
الذي يقول: "أي دور تلعبه الأسماء الشخصية، وخاصة اسم المؤلف، في إدراك
القارئ للجنس الذي ينتمي إليه نص ما، ومن ثم في اختياره لكيفية قراءته ؟ هل سأقرأ
نصا بالطريقة نفسها إذا كانت الشخصية الرئيسية تحمل اسما مختلفا عن اسم المؤلف، أو
إذا كانت تحمل الاسم نفسه " [70].
وهناك فرق كبير – على مستوى الشعرية السردية- بين المؤلف على الغلاف، والمؤلف
داخل النص؛ لأن من المؤكد أن المؤلف مقيما في الغلاف الخارجي، ليس هو ذاته مقيما
في الفضاء الداخلي للنص. فالمؤلف الغلافي هو عبارة عن ذات أوطوبيوغرافية ملموسة
حسية خارجية مبدعة للكتاب والعمل والنص. وبالتالي، فهو كائن من لحم ودم. بينما
المؤلف داخل النص ماهو إلا كائن ورقي خيالي وافتراضي، يسبح في عوالم مجازية وفنية.
فليس المقصود بمؤلف النص الداخلي مايسمى بـــ "الذات الكاتبة الخارجية
المرجعية، بل المقصود بها ما تدعوه الإنشائية المعاصرة بـــ "المؤلف الضمني
" أو "الأنا الروائية الأخرى" أوبــ "المؤلف المجرد" .
أي: ذلك الذي ينحصر وجوده داخل فضاء الرواية، متنقلا في محكياته بين تضاريس سردية
متنوعة الإيقاع والتصوير.
تلكم هي نظرة موجزة ومبسطة حول الخطاب الغلافي الذي يعد بمثابة جنيريك للعمل
الأدبي؛ نظرا لما يتضمنه من علامات لغوية وبصرية، وما يشتمل عليه من مؤشرات
أيقونية ، وإشارات سيميائية ، وعتبات توضح طبيعة العمل ، وتعين هويته، وتحدد جنسه
الأدبي والفني. ومن ثم، فالغلاف عتبة أساسية لفهم العمل الأدبي وتفسيره، وخطوة
ضرورية لتفكيك المنتوج الفني والروائي، وتركيبه في مقولات ذهنية نقدية أو وصفية،
أو تجميعه في شكل خلاصات تقويمية مكثفة دلاليا وشكليا وتداوليا.
[1] - د .سعيد يقطين: القراءة والتجربة،
دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1/1985، ص 208.
[2] - د. سعيد يقطين: انفتاح النص الروائي،
المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى /1989، ص 102 (الهامش).
[3] - د. سعيد يقطين: الرواية والتراث
السردي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1 /1992، ص 50؛
[4] - د. محمد بنيس: الشعر العربي الحديث:
بنياته وإبدالاتها، 1، التقليدية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء؛ ط1/1989، ص 77؛
[5] - د. محمد بنيس، نفسه، ص 76؛
[6] - د.محمد بنيس: نفس المرجع السابق، ص 77؛
[7] - د.محمد بنيس: نفسه، ص 77؛
[8] - الصولي: أدب الكتاب، دار
الكتب العلمية، بيروت، لبنان، بدون تأريخ للطبعة، ص ص 163-260.
[9] -
فؤاد الزاهي: الحكاية والمتخيل، أفريقيا الشرق، الدار
البيضاء، ط1/1991، ص 85.
[10] -
د. عبد العالي بوطيب، (برج السعود- وإشكالية العلاقة بين الروائي والتاريخي)
المناهل-مغربية- العدد55/السنة22، يونيو 1997، ص 63.
[11] - د. عبد الفتاح الحجمري: عتبات النص:
البنية والدلالة،شركة الرابطة، الدار البيضاء، ط1/1996، ص
9.
[12] - عبد الرحيم العلام، (الخطاب المقدماتي في
الرواية المغربية) علامات مغربية- العدد8، 1997، ص 17 (انظر الهامش
ص 23).
[13] - محمد الهادي المطوي، (في التعالي النصي
والمتعاليات النصية)، المجلة العربية للثقافة، تونس، السنة 16،
العدد 32/1997، ص 196.
[14] - د. عبد الله ترو (تفسير وتطبيق مفهوم
التناص في الخطاب النقدي المعاصر)، الفكر العربي المعاصر - لبنان-
العددان 60-61/1989، ص 80.
[15] - محمد خير البقاعي، (أزمة المصطلح في النقد
الروائي العربي) الفكر العربي- بيروت، السنة 17، العدد 83، سنة
1996، ص 84.
[16] - المختار حسني: (من التناص إلى الأطراس) علامات
في النقد - السعودية- الجزء 25، المجلد 7 /1997، ص 178.
[17] - تدييه، جان إيف، النقد الأدبي في
القرن العشرين، ترجمة قاسم مقداد، وزارة الثقافة، دمشق 1993.
[18]
- الدكتور جميل حمداوي: مقاربة النص الموازي في روايات بنسالم
حميش، الأطروحة مرقونة، توجد بكلية الآداب بوجدة، نوقشت سنة 2001م؛
[22] -
Genette (G) : Seuils, p 7.
[23] - نقلا عن عبد الفتاح الحجمري، عتبات
النص: البنية والدلالة (الغلاف الخارجي من الوجهة الداخلية
الأمامية).
[24] - محمد الهادي، المطوي (في التعالي النصي
والمتعاليات النصية) ص 195.
[25] - د. سعيد يقطين: انفتاح النص الروائي،
ص 99.
[26] - د. عبد العالي بوطيب: (برج السعود و
إشكالية العلاقة بين الروائي والتاريخي)، مجلة المناهل، المغرب،
العدد 55، السنة 22، يونيو، 1997، ص 64.
[30]
- انظر محمد الهادي المطوي: (في التعالي النصي والمتعاليات
النصية)، ص 196؛ وجيرار جنيت: عتبات، ص 10-11.
[32] - ومن بينها دراسات كل من :
أ- د. سعيد يقطين:
(النص الموازي للرواية- استراتيجية العنوان) ، مجلة الكرمل؛
قبرس، العدد 46، 1992.
ب- د. سعيد يقطين: انفتاح
النص الروائي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 1989.
ج- عبد الجليل
الأزدي: (عتبات الموت- قراءة في هوامش وليمة لأعشاب البحر)، فضاءات مستقبلية،
المغرب، العددان 2-3/ 1996.
د- د. عبد الفتاح
الحجمري: عتبات النص البنية والدلالة، شركة الرابطة، ط1/1996.
هـ- د. سعيد
يقطين: الرواية والتراث السردي،
المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط 1، 1992.
و- عبد الرحيم العلام
: (الخطاب المقدماتي في الرواية المغربية) ، مجلة علامات، المغرب،
العدد 8/1997م.
ز- د. عبد العالي بوطيب: ("برج السعود" وإشكالية العلاقة بين
الروائي والتاريخي) ، مجلة المناهل- المغرب- العدد 55 السنة 22 ،
1997 ص ص 63-73.
[33] - د .شعيب حليفي، (النص الموازي للرواية-
استراتيجية العنوان) ، مجلة الكرمل- قبرص، العدد46 /1992، ص 82.
[35] - د. شعيب حليفي: (النص الموازي للرواية -
استراتيجية العنوان)، ص 83.
[36]
- الدكتور جميل حمداوي: (لماذا
النص الموازي؟-، مجلة الكرمل، فلسطين،العددان:88/89، السنة
2006،ص:218؛
[37] - عبد الجليل الأزدي: (عتبات الموت- قراءة
في هوامش وليمة لأعشاب البحر)، فضاءات، المغرب، العددان: 2-3، 1996، ص 37.
[38] - مراجع عامة:
1) Genette (Gérard) : Palimpsestes, Paris , seuil, 1972
2) Genette (Gérard) :
« transtextualités », Magasine littéraire, 192 (1983),
pp 40-41.
3) Genette (Gérard):
Seuils, Paris
seuil 1987.
- خطاب العنوان :
4) Duchet (Jacques): L’Assommoir de Zola, société,
discours idéologie, Paris, Larousse, 1973.
5) Duchet (Claude): La fille abandonnée et la Bête humaine », Eléments
de titrologie romanesque », Littérature,
12 (décembre 1973), p p 49-73.
6) Grivel (charles) : Production
de l’Intérêt romanesque, Paris , La hage, Mouton, 1973.
7) Hoek (Léo): Pour
une sémiotique du titre, Univ. d’Urbino, 1973.
8) Hoek (Léo): La marque du titre, Paris , la Hage , Mouton, 1981.
9) Moncelet
(christian), Essai sur le titre en littérature et dans les
arts, la roche Blanche, POF, 1972.
10) Vigner (Gérard):
« Une unité discursive retreinte, le titre »: Le français dans
le monde, 156 (octobre 1980), pp 30-40
- خطاب المقدمات :
11) Charles (Michel) : Phétorique de la lecture, Paris , seuil, 1979.
12) Derrida (jacques):
(Hors livre, dans ID, La dissémination, Paris,
seuil 1972), pp 7-67.
13) Duchet (claude): « Lillusion historique:
l’enseignement des prefaces (1815-1932), Revue d’histoire Littérature de
la france (1975), p p 245-267.
14) Hamon (Philippe):
« texte littéraire et méta-langage », Poétique, 31
(1977), pp 261-284.
15) IDT (Genevière) :
« Fonction rituelle du métalangage dans les préfances
hétérographes", Littérature, 27 (1977), pp 65-74.
16) Le cointre
(simonne), legallot (Jean): "texte et paratexte, essai sur la préface du
roman classique", dans panorama sémiotique, la Hage- Paris , New yprk,
Mouton, 1979, pp 660-670.
17) Mitterand (Henri):
"Le discours préfaciel », dans la lecture sociologique du texte
romanesque, Toronto ,
Stevens et Hakkert, 1975, pp 3-13.
A regarder :
Maurice de la croix et Fernand Hallyn : Méthode de texte. Duclot, Paris
1987.
[41] محمد سيد عبدالتواب, نظرية
الرواية العربية, المقدمات الأولى من سنة 1858-1914, الهيئة المصرية العامة
للكتاب, الطبعة الأولى 2010ص37 الهامش
[42] الرؤوس
الثمانية قبل افتتاح كل كتاب, وهي : الغرض, العنوان, المنفعة, والمرتبة, وصحة
الكتاب, ومن أي صناعة هو, وكم فيه من أجزاء, وأي أنحاء التعاليم المستعملة فيه"عن تقي الدين أحمد بن علي بن عبد
القادر المقريزي, المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار, حققه وكتب مقدمته
وحواشيه ووضع فهارسه, الدكتور أيمن فؤاد سيد المجلد الأول, مؤسسة الفرقان للتراث
الإسلامي. لندن/ 2002ص 6
¨ يذكر أن طبعة تلك الرائحة الكاملة نشرت في مراكش 1986, وكانت الطبعة
الأولى لها قد صودرت بعد طباعتها في مكتبة يوليو 1966 القاهرة, وصدرت الطبعة
الثانية غير كاملة 1969 عن دار الثقافة الجديدة بالقاهرة, وأعيد نشرها بواسطة
" كتابات معاصرة القاهرة 1971, والمجلة اللبنانية شعر 1968, ولكنها كانت غير
كاملة
§ طبيب وكاتب مسرحي ومؤلف قصصي روسي كبير، يعد من كبار الأدباء الروس
كما أنه من أفضل كتاب القصة القصيرة على مستوى العالم. كتب عدة مئات من القصص القصيرة
وتعتبر الكثير منها ابداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها أعظم الأثر
على دراما القرن العشرين. بدء تيشيخوف الكتابة عندما كان طالباً في كلية الطب في
جامعة موسكو ولم يترك الكتابة حتى أصبح من اعظم الادباء وأيضا استمر في مهنة الطب
وكان يقول "ان الطب هو زوجتي والادب عشيقتي"
[43] صنع الله إبراهيم , تلك
الرائحة, دار الهدى للنشر والتوزيع , الطبعة الثالثة المنيا , جمهورية مصر العربية, 2003 ص27
[44] لطيف زيتوني, معجم مصطلحات
نقد الرواية, مكتبة لبنان ناشرون, الطبعة الأولى, بيروت لبنان, 2002ص156
[45] لطيف زيتوني, معجم مصطلحات
نقد الرواية, مرجع سابق ص158
[46] صنع الله إبراهيم, تلك الرائحة,
ص28
[47] المرجع السابق ص 25
[48] لطيف زيتوني , معجم
مصطلحات نقد الرواية ص158
[49] عبدالمالك أشبهون, خطاب
المقدمات , عالم الفكر العدد 2 المجلد 33 ديسمبر 2004 الكويت ص90
[50] تلك الرائحة ص 26
[51] تلك الرائحة ص 29
[52] عبدالمالك أشبهون, خطاب
المقدمات, مرجع سابق 99
[53] تلك الرائحة ص 61
[54] عبد المالك أشبهون , خطاب
المقدمات, مرجع سابق ص93.
[55] تلك الرائحة ص12
[56] تلك الرائحة ص12
[57] مصطفى الشاذلي, مقاربة
أولية لكيفية اشتغال المقدمة في الخطاب النقدي القديم, مجلة علامات, المجلد السابع, الجزء29 السعودية 1998ص297
[58] تلك الرائحة ص12
[59] تلك الرائحة ص14
[60] المقدمة التي بين يدي
الباحث كتبت عام 2003 وهي ضمن عتبات النصوص التي
يحملها هذا البحث . طباعة دار الهدي للنشر والتوزيع الطبعة الثالثة 2003 القاهرة
[61]عبدالمالك أشبهون, خطاب المقدمات في
الرواية العربية, مرجع سابق ص 90,91
[62] عبدالمالك أشبهون, خطاب
المقدمات مرجع سابق ص99
[63] مجدي وهبة, كامل المهندس,
معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب, مكتبة لبنان, الطبعة الثانية, لبنان
1984/ص380
[64] معجم المصطلحات العربية,
مرجع سابق ص380
[65] إبراهيم فتحي, معجم المصطلحات الأدبية, مطبعة
التعاضدية العمالية للطباعة والنشر, تونس 1986 / ص 242
· يمكن الرجوع إلى مقالة" الانزياح وتعدد المصطلح " مجلة عالم
الفكر, لأحمد محمد ويس, العدد الثالث المجلد الخامس والعشرون ص57
ردحذفإذا كنت مهتمًا ببيع أو شراء الكلى ، فلا تتردد
للاتصال بنا على وعبر البريد الإلكتروني.
البريد الإلكتروني: birothhospital@gmail.com
ما رقم التطبيق: +33751490980
تحياتي الحارة
المدير الطبي
الدكتور ماكسويل
هل ترغب في شراء كلية أو تريد بيع كليتك؟ هل تبحث عن فرصة لبيع كليتك مقابل المال بسبب الانهيار المالي ولا تعرف ماذا تفعل ، ثم اتصل بنا اليوم وسنقدم لك مبلغًا جيدًا من المال قدره 500،000 دولار لكليتك. اسمي الدكتور ماكسويل أنا طبيب أعصاب في مستشفى بيل روث. مستشفىنا متخصص في جراحة الكلى ونحن نتعامل أيضًا مع شراء وزراعة الكلى مع أحد المتبرعين الذين يعيشون. نحن موجودون في الهند والولايات المتحدة وماليزيا وسنغافورة
ردحذفإذا كنت مهتمًا ببيع أو شراء الكلى ، فلا تتردد
للاتصال بنا على وعبر البريد الإلكتروني.
البريد الإلكتروني: birothhospital@gmail.com
ما رقم التطبيق: +33751490980
تحياتي الحارة
المدير الطبي
الدكتور ماكسويل